كانت القرية تنتشر على قمة تل صخري عريض، في الجهة الغربية من جبال الخليل. وكانت تشرف على وادي قبيبة من الشمال، وتطل على مشهد جبال عالية من الشرق. ومع أن المنطقة، في مجملها، تنحدر بصورة عامة نحو السهل الساحلي الجنوبي، إلا أن ذلك لم يكن يبدو بوضوح من داخل القرية، لأن التلال الواقعة إلى الغرب منها كانت تحجب منظر السهل. وكانت طريق فرعية تصل الدوايمة بقرية إدنا في الشمال الشرقي، كما كانت طريق فرعية أُخرى تصلها بقرية القبيبة في الشمال الغربي، ثم تفضي إلى طريق الفالوجة ؟ بيت جبرين العام.
قدر بعض العلماء أن الدوايمة تقع في موقع بَصْقَة المذكور في العهد القديم (يشوع 15: 39). وفي أواخر القرن التاسع عشر، كانت الدوايمة تنهض على تل صخري تمتد دونه بساتين الزيتون. وثمة على تل آخر أعلى منه، إلى جهة الغرب، مقام تعلوه قبة بيضاء.
كان سكان الدوايمة من المسلمين، لهم فيها مقامات عدة، أهمها مقام لشيخ يدعى علي. وكان لهذا المقام فناء واسع وبعض الغرف وقاعة كبيرة للصلاة، وكان محاطاً بأشجار التين والخروب ونبات الصبار. وكان هذا المقام يجتذب ا لزوار من القرى المجاورة. وكان في وسط القرية مسجد يقوم بأمره أصحاب الطريقة الخلوتية، من طرق المتصوفين، المنتسوبة إلى الشيخ عمر الخلوتي الذي توفي سنة 1397. وقد وسع سكان القرية المسجد وجددوه في الثلاثينات، وأضافوا إليه مئذنة شامخة.
كانت القرية على شكل نجمة؛ وهو ما أتاح للبناء أن يتمدد في الاتجاهات كلها، ولا سيما إلى الشمال الشرقي والشمال الغربي على جوانب الطريقين المشار إليهما أعلاه. وكانت المتاجر تنتشر داخل الأحياء المجاورة لمركز القرية، التي كانت منازلها مبنية بالحجارة والطين ويفصل بعضها عن بعض دروب وأزقة ضيقة أما منازلها الأقدم عهداً، فكانت متجمعة بعضها قرب بعض، ولكل مجموعة من المنازل حوش مشترك؛ وهو فناء كبير تجد النساء فيه متسعاً للقيام بأعمالهن المنزلية، ويلعب الأولاد فيه، وتجتمع العائلات فيه مساءً وفي المناسبات الخاصة. ومع تمدد القرية أخذ السكان يبنون منازل جديدة خارج وسطها المركزي. وكنت هذه المنازل الجديدة أوسع مساحة، وتبنى بحجارة مطلية بالكلس الأبيض. وكان لبعضها حيطان حجرية سميكة تدعى الجِداري (من جدار). كما كانت هذه المنازل متفرقة بعضها عن بعض، ولم يكن لها حوش مشترك. إلا أن تصميم المنازل الجديدة لم يختلف عما كانت عليه تصميم المنازل القديمة؛ فقد كان لكل منها طبقتان؛ طبقة علوية لأفراد العائلة، وطبقة سفلية للمواشي. أما منازل القرويين الأثرياء، فكانت تتألف من فناء واسع يحيط به غرف للجلوس والنوم والمؤونة، وحظيرة للحيوانات.
كان في الدوايمة مدرسة ابتدائية فتحت أبوابها في سنة 1937. وكان السكان يستمدون قسماً من مياه الشرب من آبار تتجمع مياه الأمطار فيها. وفي الأربعينات، حفر سكانها ثلاث آبار إضافية وأنشأوا خلال الفترة نفسها، صهاريج عدة لتجميع مياه الأمطار.
كانت المزروعات البعلية عماد اقتصاد الدوايمة. واشتملت المحاصيل الأساسية على أنواع عدة من الحبوب، ولا سيما القمح والشعير والذرة؛ هذا فضلاً عن الخضروات والفاكهة كالتين والعنب. في 1944/1945، كان ما مجموعه 21191 دونماً مخصصاً للحبوب، و1206 دونمات مروية أو مستخدَمة للبساتين. وكانت أشجار كثيرة، منها السنديان والسويد، تنبت في الوعر المحيط بالقرية.
كانت تربية المواشي ذات أهمية أيضاً لاقتصاد القرية. فقد كان في الدوايمة 27 عشيرة. وكانت كل عشيرة تملك بين 200 و300 رأس ماعز أو غنم، وبعض الإبل والبقر. وكان سكان القرية يرعون مواشيهم في مساحات واسعة من أرض مجاورة غير مزروعة. بالإضافة إلى الزراعة وتربة المواشي، اشتغل السكان بالغزل وحياكة الخيم والأكياس لتخزين الحبوب. كما اشتغلوا بدباغة جلود الحيوانات وصنع السلال لبيعها في السوق. وكان في الدوايمة ما بين ثلاثين وخمسين متجراً صغيراً، وعشرة قصابين، وطاحونتا قمح. وقد اكتسب اقتصاد القرية مزيداً من الدينامية في سنة 1944 مع إقامة سوق الجمعة الأسبوعية؛ إذ جذبت هذه السوق سكان القرى والمدن الأُخرى كبيت جبرين والخليل وغزة، الذين كانوا يتاجرون بالغلال والثياب والمعجنات وغيرها من السلع. وكانت هذه السوق تعق على أرض بيادر القرية، وكان السكان يدعونها سوق البرَّين لأنها تجمع، بحسب ما كانوا يعتقدون، بين تجارة الجبال وتجارة السهول.
كانت الدوايمة مبنية فوق موقع أثري. وكان يحيط بها، فضلاً عن ذلك، بعض الخرب؛ الأمر الذي يوحي بأن المنطقة كانت آهلة بكثافة في الماضي.
إحتلال القرية وتطهيرها عرقيا
كانت الدوايمة خلال الحرب مسرحاً لمجزرة من كبرى المجازر غير المعروفة جيداً. ويذكر المؤرخ الإسرائيلي بِني موريس أن المجزرة التي وقعت في 29 تشرين الأول/أكتوبر 1948، خلال عملية يوآف التي نفذها الجيش الإسرائيلي، أدت إلى نزوح سكاني كثيف عن المنطقة. وهو ينقل، عن لسان أحد الذين شاركوا في الهجوم على القرية، أن نحو 80 -100 شخص، بينهم نساء وأولاد، قتلوا جرّاء ((موجة الغزاة الأولى)). وفيما يلي مقتطفات من وصف نشر صحيفة ((عل همشمار)) اليومية الإسرائيلية: (قتلوا الأولاد ضرباً على رؤوسهم بالهراوات. ولم يخلُ منزل واحد من قتيل… وأمر أحد الضباط زارع ألغام بوضع امرأتين مسنتين في أحد المنازل … وتدمير المنزل وهما فيه. رفض زارع الألغام .. فأمر الضابط عندئذٍ رجاله بوضع المرأتين داخل المنزل، ونفّذ العمل المشؤوم. وقد تباهى أحد الجنود بأنه اغتصب امرأة ثم أطلق النار عليها…)).
ووصف المجزرة أيضاً مختار القرية سابقاً، في مقابلة أجرتها معه صحيفة ((حداشوت)) اليومية الإسرائيلية في سنة 1984. استعاد المختار ذكرياته فقال أن ((الناس فروا وأطلقوا [الإسرائيليون] النار على كل من شاهدوه في المنازل وأردوه. وقتلوا الناس في الشوارع أيضاً. وفجّروا بيتي على مرأى من شهود عيان)). وأضاف المختار أنه ((ما أن دخلت الدبابات القرية وأطلقت النار حتى غادرتُ القرية. وفي الساعة العاشرة والدقيقة الثلاثين تقريباً، مرت دبابتان أمام مسجد الدراويش، وكان فيه نحو 75 رجلاً مسناً جاؤوا باكراً لتأدية صلاة الجمعة. تجمعوا في المسجد للصلاة، فقُتلوا جميعاً)). وذكر المختار أيضاً أنه كان ثمة نحو خمس وثلاثين عائلة تختبئ في الكهوف خارج الدوايمة، وكان بعضها فرّ من قرية القبيبة التي احتلت سابقاً. فلما اكتشفت القوات الإسرائيلية وجود هذه العائلات ((أمرتها بالخروج والاصطفاف، ثم البدء بالسير. وما أن بدأت السير حتى أُطلقت نيران الرشاشات عليها من جهتين. وقد أرسلنا ناساً تلك الليلة فجمعوا الجثث، ووضعوها في بئر ثم دفنوها)).
في سنة 1984رجع المختار إلى موقع قريته، أول مرة منذ وقوع المجازر وبيّن لصحافي إسرائيلي موضع منزله سابقاً، وموقع البئر التي دفنت الجثث فيها. وبعد أيام قليلة، عاد الصحافي مع أربعة عمال، وحفروا قليلاً فاكتشفوا عظاماً بشرية بينها ثلاث جماجم، إحداها جمجمة طفل. ولم يواصلوا الحفر، وإنما أعادوا دفن العظام.
يشير موريس إلى إجراء بعض التحقيقات فيما يتعلق بالمجزرة، لكنه لا يذكر النتائج التي أسفرت عنها؛ ذلك بأنها كانت في جملتها بلا طائل، وانتهت بتأديب بعض الجنود وإصدار مجموعة من القواعد التي ينبغي للجيش الإسرائيلي اتباعها في تعامله مع المدنيين العرب. أما الوحدة التي ارتكبت المجزرة فقد كانت الكتيبة التاسعة والثمانين من اللواء الثامن بقيادة يتسحاق ساديه، مؤسس البلماخ. وقد طلب قائد العملية يغال ألون من ساديه أن يتحرى ((الشائعات))، غير أن جوابه لم يُعرف. [M: 222-23; Al-Fajr ( Jerusalem ), English-language, edition, 7/9/84,pp: 8-9].
في كانون الأول/ديسمبر 1948 طرحت مسألة الدوايمة، مرة أخرى، في أثناء مناقشة عامة للأعمال الوحشية أجرتها لجنة وزارية إسرائيلية. ويقول موريس إن وزير الزراعة الإسرائيلي أهرون زيسلينغ كان يرد، في أرجح الظن، على رسالة في شأن المجزرة عندما قال: ((هذا أمر يحدد شخصية أمة.. لقد ارتكب اليهود أيضاً أعمالاً نازية)). ومع أنه تذمر من أن التحقيق لم يكن يجري كما يجب، فقد وافق مع غيره من الوزراء على ضرورة عدم الكشف عن أية معلومات بغية الحفاظ على صورة إسرائيل.
القرية اليوم
سُيّج الموقع، وبُني في مركزه (الذي سوي بالأرض) زريبة للبقر، وقن للدجاج، وأهراء للحبوب. ويحتوي القسم الجنوبي من الموقع على مصاطب حجرية، وبقايا منزل. بينما يحتل القسم الشرقي منه أحد أحياء المستعمرة. وينمو الصبار مع كثير من أشجار الخروب والزيتون على منحدرات الموقع.
المغتصبات الصهيونية على اراضي القرية
بُنيت مستعمرة أماتسيا، التي أُسست في سنة 1955، على أنقاض الدوايمة.