الرئيسية / الشيخ حسن في الصحافة / الشيخ حسن في جريدة الدستور الأردنية

الشيخ حسن في جريدة الدستور الأردنية

جريدة الدستور الاردنية

الثلاثاء 831983

الصفحة الخامسة

قصة أغرب من الخيال

غازي يجد أباه بعد أربعين عاماً

كيف ظل الشيخ اللبدي منسياً في سجن عكا منذ عام 1942

الاحتلال البريطاني يسجن الشيخ اللبدي في الأربعينات واسرائيل تنساه في السجن دون مبرر

الشيخ اللبدي لم يعرف أن فلسطين قد استولى عليها اليهود ولا يصدق ذلك

أكثر من أربعين عاماً في غياهب النسيان، خارج حدود الزمن، بعيداً عن حركة الحياة، معزولاً عن كل ما في الكون من احداث.

اكثر من أربعين عاما لا تسمع اذناك صوتا يكلمك، ولا ترى عيناك شارعا، أو بيتا، او احدا من اهلك.

اكثر من اربعين عاما وانت في سجن رطب عتيق مرت عليه السنون والاحداث وحولته الى متحف للزائرين.

اكثر من اربعين عاما، وانت بين ايدي جلادين لا يعرفون لماذا انت بين ايديهم، يغلقون عليك ابواب سجنك، ويدفعون اليك وجبة الطعام، ولا سؤال ولا جواب.

انت مستسلم لقضاء الله، وهم غارقون في بلادتهم.

كم من الاشياء تغيرت في هذه الاعوام الاربعين، لكنك ما زلت تحتفظ بذاكرتك بصور الحياة كما كانت قبل ذلك اليوم الفاصل الذي انتزعت فيه من الحياة ليلقى بك في سجن عكا حتى تقضي تلك العقوبة الشاذة.

– عن ماذا نتحدث ؟

– نتحدث عن الشيخ حسن محمد اللبدي الذي شاءت له الاقدار ان يدخل سجن عكا عام 1942 في زمن الانتداب البريطاني على فلسطين ويبقى سجينا حتى بداية هذا العام، حيث تم الافراج عنه وتسليمه الى ابنه غازي الذي فارقه عندما كان عمره 6 سنوات.

* من هو الشيخ حسن ؟

* يقول ابنه غازي : ما اعرفه عن والدي هو ما سمعته من اقاربي كبار السن ، فانا لا اعرف ابي منذ كان عمري 6 سنوات وانا الان فوق الخمسين.

حصل والدي على شهادة كلية العلوم من نابلس – هكذا كانوا يسمونها- وكان مدرسا واماما متجولا في قرى فلسطين وشرق الاردن- في بدايات هذا القرن حيث كان يدرس في الكتاتيب والمساجد والمضافات ويعلم الناس القران واللغة العربية حيث زار في تجواله قرى الشجرة وحوارة في منطقة اربد وزيزيا والبريج في محافظة الخليل والرام وجلجوليا وبرفليا قرب الرملة وزبزبا قرب جنين وصرفند قرب حيفا. ثم استقرفي بدايات اربعينات في المسجد الاقصى المبارك معتكفا للعبادة وكان عمره انذاك بحدود 40 عاما اي ان عمره الان يتجاوز 80 عاما.

اقتحام الحرم

ويتابع الابن غازي اللبدي حديثه قائلا:

حين كان والدي في الحرم –وهنا تختلف الروايات- دخل ضابطان وبعض الجنود الانجليز الحرم معتقدين ان بعض الثوار الفلسطينيين قد اختبأوا به فيه فقام السخ حسن باعتراضهم ومنعهم من الدخول واستل خنجرا كان معه وطعن احد الضابطينطعنة قاتلة ، فقد رأى في دخول الانجليز الحرم اعتداء صارخا على حرمة هذا المكان الطاهر. وقد القي القبض على الشيخ حسن ووضع في سجن عكا وحكم عليه بالاعدام.* يقول غازي الابن: في تلك الايام هب بعض الشرفاء من القدس ومن رجال الاوقاف للدفاع عن الشيخ حسن ليحولوا دون تنفيذ الاعدام، واستطاعوا بعد جهود مضنية ان يصدروا قرارا لتخفيف الحكم الى المؤبد بعد ان حصلوا على تقرير طبي من احد المصحات انذاكيفيد ان الشيخ حسن مصاب بما سوه “هوس ديني” وان اقتحام المسجد من قبل الجنود خلال وجوده فيه افقده صوابه حيث اعتبر ذلك اعتداء شخصيا عليه مما دفعه للدفاع عن المكان المقدس.

سجن عكا

ويدخل الشيخ حسن سجن عكا في بداية الاربعينات كما يقول ابنه ليقضي عقوبة السجن المؤبد. وقد كنت ازوره في سجنه حتى عام 1947 حيث حدثت حرب فلسطين وتمت الهجرة دون ان ادري هل بقي والدي في سجن عكا تحت الاحتلال الاسرائيلي الجديد لفلسطين ام اخذه الانجليز معهم حين خرجوا من فلسطين ام هل مات ام هل قتلوه لم ادر.

لذلك ارسلت في الخمسنات لهيئة الصليب الاحمر الدولي في جنيف طالبا منهم السؤال عن والدي وافادتي عن مصيره ، لكن لم اتلق اي جواب حتى يئست من الموضوع واعتبرت ابي ميتا.

البحث من جديد

ويضيف غازي قائلا: بعد حرب 1967 عاودت الكرة بالسؤال عن ابي لا سيما وان عمتي اخت والدي كانت قد سألت عنه وعرفت انه موجود في في سجن عكا وكانت قد ابلغتني بذلك فذهبت الى هناك بتصريح وذهبت لأرى والدي بعد هذه السنوات الطويلة ، ففوجئت بان سجن عكا قد نحول الى متحف وانه لم يعد سجنا كما كان.

وعندما سألنا المسؤلين هناك عن الشيخ حسن افادونا انه موجود في ملجأ للعجزة في منطقة –برديس حنا- قرب الخضيرة ، وقد عانيت كثيرا حتى وصلت الى ذلك الملجأ وعانيت اكثر حتى سمح لي المسؤلين عنه برؤيته.

الشيخ حسن لم يعرف ابنه الوحيد ويرفض التصديق .. انه ابنه !!!

اللقاء المرير

وعندما قابلته ذهلت فقد وقع بصري على شيخ طاعن في السن تغطي وجهه وصدره لحية بيضاء طويلة لقد بدا والدي وقتها كرجل قادم من عالم اخر بملابسه الممزقة المرقعة ونظر الي ولم يعرفني وقد عذرته فقد فارقني وعمري 6 سنوات

وقلت له: انا ابنك الوحيد غازي لكنه أشاخ بوجهه بعيدا وكيف يصدق انني ابنه ؟ وهو الذي فارقني صغيراً وها هو يراني رجلا كبيرا . ثم كيف يتعرف علي وهو يعتقد انني –انا واقاربه- قد تركناه طوال هذه السنين دون ان نسال عنه او نزوره.

ومما زاد في الامي انني لم اكن استطع ان افعل له شيئا ، وهو يعيش بين المعتوهين والمقعدين لا سيما وانني اعلم انه لا يعاني من اي شيء في عقله او جسده.

المهم انني عندما طلبت من ادارة الملجأ تسليمه لي رفضوا وقالوا ان ذلك يقتضي موافقة وزارة الداخلية الاسرائيلية.

ولان الامور بدت لي معقدة وتحتاج الى متابعة وانا في زيارة فقطللارض المحتلة ، اوكلت الامر لابناء عمي هناك حيث اوكلوا محاميا لمتابعة الموضوع.

وقد تلقيت جوابا بارفض بعد فترة .

الافراج عنه

ويضيف ظللت اتابع امر اخراج ابي من الملجأ وأوكلنا الامر لمحام اخر وكنت خلال السنوات الماضية اذهب بين الحين والاخر للارض المحتلة لزيارة ابي ومتابعة موضوعه .. الا ان جاءت الموافقة اخيرا على تسليمه لي حيث عاد ورأى النور بتارخ 2411983 بعد ان امضى اكثر من اربيعن عاما متنقلا بين سجن عكا وملجأ “برديس حنا” وملجأ دير ياسين.

هل كان منسياً

الشيخ حسن يجلس معنا وابنه غازي يروي هذه التفاصيل وكأن الامر لا يعنيه.

ونسأل : ولكن كيف يفسر الاسرائيليون استمرار سجنه بعد انتهاء الانتداب البريطاني؟؟

يقول غازي : يبدو انه قد حدث تقصير من جانبنا حيث ان السجناء كان يجري تهريبهم ايام حرب عام 1948 اما بالنسبة للاسرائيليين فلم نجد لديهم اي تفسير لسجنه وربما كان منسيا من قبلهم ، فاقدم ملف في السجون الاسرائيلية يعود لسنة 1957 فكيف ظل والدي في السجن ؟ هذا ما لا أعرفه ولا اعتقد ان الاسرائيليين يعرفونه ، ولذلك عندما استلمته وقعت على تعهد انني استلمته على مسؤليتي واعتقد ان ذلك لاخلاء مسؤليتهم عن استمرار سجنه طوال هذه السنوات.

هذا ليس ابني!!

ونلتفت الى الشيخ حسن لنتحدث معه

– كيف حالك يا شيخ؟

– الحمد لله

اعتقد انك الان في حال احسن وانت في بيت ابنك ومع اهلك؟

لا

لم استغرب جوابه فقلت له:

اليس وجودك هنا احسن من السجن

قال لا فالامر سيان..

تنظر الى وجهه فتتاكد ان الامر سيان وان البيت والسجن والملجأ والشارع بالنسبة له سيان

قلت له : كيف ترى ابنك غازي بعد كل هذه السنوات؟

قال بهدوء وبكل ثقة: هذا ليس ابني!!

قلت له: كيف، وقد تابع موضوعك ، واحضرك اخيرا الى هنا، وهو سعيد بوجودك معه!

قال: لا .. ليس هذا ابني ، فانا اعرف ابني..

قلت: ولكن كل شيء تغير، وقد كبر ابنكيصمت الشيخ حسن ولا يجيبن فهو متأكد مما يقول وعندما لا يرغب في الكلام يصمت!!

عالم اخر فجئه ترى الشيخ حسن يحرك يده اليمنى وكانه يضرب احدا او شيئابجانبه يستمر الضرب عدة ثواني ثم يتنهد الشيخ وكانه ازاح عبئا عن كاهله

بعد لحظه تراه يشير بيده اشيء امامه ان يجلس ثم يهز راسه موافقا ثم تراه وكانه ينقر باصبعه السبابه على الفراغ امامه بقوه واصرار عدة نقرات ثم يرتاح

سالته اول مره لماذايفعل هكذا فلم يجب بشيء

ثم سالته بعد قليل ان كان هناك شيءيضايقه ولماذا يفعل هكذا بيده

في المره الاولى قال لي انه يرتاح عندما يفعل ذلك

بعد قليل اعدت عليه السؤال بصيغه اخرى فقال ان ذلك مفروض علي

نشعر ان الحديث مع الشيخ حسن ليس لا فانت لا تعرف ماذا تساله وتحس انه يعيش خارج الدنيا ويصمت حين لا يريد ان يجيبك

يقول ابنه غازي

ان ابي الشيخ طوال فترة سجنه لم يقرا جريده او يسمع اذاعه لا يعرف شيامما حدث في العالم لا يعرف ان فلسطين قد استولى عليها اليهود

ويرفض ان يصدق ذلك بل هو ايضا يرفض ان يصدق ان فلسطين هي فلسطين

فعندما اخرجناه مؤخرا من الملجا ذهبنا الى قريتنا كفر اللبد عند اقاربنا واخذناه الى المسجد الاقصى لكنه انكر ان هذه الاماكن التي يراها هي التي يعرفها

قلت للشيخ حسن كيف رايت الحرم يا شيخ

قال اي حرم

قلت المسجد الاقصى الذي زرته انت وغازي قال ليس الحرم

فانا اعرف الحرم جيدا قلت وكفر اللبد قال برضو هذه مش بلدنا ثم يقول انا اعرف البلاد جيدا وكانه يريد ان يثبت لنا شيا يضيف هناك اسيا وافريقيا واوروبا واستراليا وامريكيا

فلسطين وسوريا وجبل لبنان والعراق ونجد والحجاز واليمن والترك

والفرس والهند والصين في اسيا

واوروبا فيها الطليان والانجليز والصرب والالمان

ثم يقول

كل واحده من هذه البلاد يوجد منها 8 ملايين صوره

قلت له 8 ملايين كيف

قال نعم يعني هناك 8 ملايين سوريا و 8 ملايين فلسطين وهكذا

كل بلد يوجد منها 8 ملايين صوره

قلت اذا كفر اللبد التي رايتهاهي صوره من صور هذه المدينه المتعدده

فلم يجب

ان يرضى ربي

ما يقوله الشيخ حسن غريب حقا لكنك تشعر انه صحيح تحس انه يتكلم عن اشياء يراها ويعرفها باختصار

هو يعيش في عالم اخر لا علاقه له في هذا العالم

فهو لا يشعر بما يشعر به الناس من ضيق وفرح

فقد بدا لي انه لم يفهم سؤالي عندما قلت له

الست الان مبسوط بعد ان خرجت من السجن

فكل شيء بالنسبه له سواء

قلت له ما الذي تتمناه يا شيخ اذن

قال لا شيء فقط ان يكون ربي راضيا عني

قلت له ما الذي تفعله في اغلب الاحيان

قال اصلي اقرا القران فانا احفظ القران كله فقد كنت احفظ قبل السجن من صورة البقره حتى سورةيس ثم اكملت حفظ القران في السجن

يقول ابنه غازي

منذ يجن حتى اليوم لم يكن معه سوى مصحفه الصغير فهو رفيقهالوحيد طوال هذه السنوات

ونترك الشيخ حسن اللبدي ونمضي

رغم ان كلامنا لا يعنيك ايها الشيخ الا اننا نقول لك انك لم تخسر شيئا خلال عزلتك الطويله القاسيه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *