المالحه

كانت القرية قائمة على هضبة ومشرفة على مناطق واسعة من الجهات كلها, باستثناء الشمال. وكان قسم حديث من القرية شيد على المنحدر الجنوبي الشرقي لتل مجاور. و كانت طريق فرعية قصيرة تربط المالحة بالطريق العام المؤدي إلى القدس, كما كانت طرق فرعية أخرى طرق ترابية تربطها بالقرى المجاورة. وقد عد علماء الكتاب المقدس المالحة قائمة في موقع قرية معارة (يشوع 15: 59). في سنة 1596, كانت المالحة قرية من قرى ناحية القدس ( لواء القدس), تعرف بالمالحة الصغرى وعدد سكانها 286 نسمة, يؤدون الضرائب على القمح والشعير و الزيتون والماعز وخلايا النحل. في سنة 1855, مرت ماري روجز (شقيقة إدوارد توماس روجز, نائب القنصل البريطاني في حيفا, في الخمسينات من القرن التاسع عشر) بالقرية, وذكرت أنها تقوم على قمة تل شديد الانحدار, وأن على المصاطب دونها بضع مفاهيم كبيرة. وكانت المالحة آنذاك مواطنا لآل الشيخة وهم من أشد عائلات جبال القدس نفوذاً. ومع ازدياد البناء في القدس, أصبحت القرية من ضواحي المدينة. في السبعينيات من القرن التاسع عشر شاهد المساحون البريطانية الذين وضعوا كتاب( مسح فلسطين الغربية) المالحة, ووصفوها بأنها قرية متوسطة الحجم تعلو قمة جبل مسطحة. وكانت عين يالو تقع في واد إلى الجنوب من المالحة وكانت القرية على شكل مستطيل, وكان معظم منازلها حجريا وأكثرية سكانها من المسلمين. في سنة 1945, لم يكن عدد المسيحيين يتجاوز عشرة, بينما بلغ عدد سكانها الإجمالي 1940 نسمة. وكان في المالحة مدرسة ابتدائية حكومية, وعيادة طبية, ومجلس بلدي. كما كان فيها مسجد كبير يدعى مسجد عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين.
كان سكان القرية يعتاشون في معظمهم من الزراعة البعلية وتربية المواشي, بينما كان نفر منهم يعمل في الحرف والتجارة وقطاع الخدمات. وكانت أراضي القرية مزروعة بالحبوب والخضروات والفاكهة. في 1944\1945 كان ما مجموعه 1013 دونما مخصصا للحبوب, و2613 دونما مرويا أو مستخدما للبساتين, منها 1370 دونما حصة الزيتون. وكانت النباتات البرية تغطي سفوح الجبال المتاخمة, التي كانت تستخدم مرعى للمواشي. وكان ثمة في القرية وحولها قبور عدة محفورة في الصخور, وكذلك برج متداع يقع قرب المسجد. وهذا كله إضافة إلى الدلائل الأثرية في الموقع, يشير إلى عراقة الموقع في القدم.

 

إحتلال القرية وتطهيرها عرقيا

يذكر تقرير نشرته صحيفة (فلسطين), التي كانت تصدر في يافا, أن الهجوم الأول على المالحة يعود إلى تاريخ 6 آذار \ مارس 1948, ولم يؤت في التقرير إلا إلى ذكر تسلل وحدة يهودية إلى تخوم المالحة واشتباكها مع المدافعين عن القرية, من دون تحديد عدد الإصابات. أما المؤرخ الإسرائيلي بني موريس فيذكر أن القرية أخليت على مرحلتين, كانت أولاهما في نيسان\ أبريل جراء المجزرة التي وقعت في دير ياسين المجاورة بتاريخ 9 أبريل .
لكن المالحة لم تقفر من السكان إلا في منتصف تموز\ يوليو, في إثر الهجوم المباشر الذي تعرضت له بعد الهدنة الأولى. وقد أشارت صحيفة (نيورك تايمز) إلى أن الهاغاناه بدأت اعتداءاتها على المالحة ليل 1- 2 أيار\ مايو, إذا وسعت مواقعها جنوبا انطلاقا من حي القطمون في القدس. إلا إن (تاريخ حرب الاستقلال) أفاد أن احتلال القرية وقع بعد عشرة أسابيع, في إطار العمليات التي جرت حول القدس متزامنة مع عملية داني ( أنظر أبو الفضل, قضاء الرملة).
وقعت القرية في قبضة الإسرائيليين بعد معركة ضارية استمرت بضعة أيام. ففي ليل 13-14 تموز\ يوليو. قامت وحدة من الإرغون وفصيلتان من فرقة يونثان التابعة للغدناع (كتائب شباب البلماح), بدخول المالحة متخذة لها بعض المواقع في القرية. وشنت القوات العربية هجوما مضادا في 15 تموز\يوليو, فأجبرت وحدة الإرغون على الانسحاب من أقصى مواقعها في القرية. وفي اليوم نفسه, أصدر المقاتلون المصريون غير النظاميين, العاملون جنوبي القدس, بلاغا أعلنوا فيه أنهم استردوا المالحة بمؤازرة المجاهدين الفلسطينيين. وقد نشرت صحيفة (نيورك تايمز) آنذاك نص البلاغ. لكن سرعان ما عادت القرية فوقعت في قبضة الاحتلال بعد وصول تعزيزات للإرغون. وذكرت صحيفة (نيورك تايمز) أن الاسرائيلين استخدموا, في 14 تموز\ يوليو, المدفعية المتوسطة المدى ونيران مدافع الهاون للقيام بهجمات تضليلية على جبهة إمدادات مهمة ومركز تجمع), بحسب ما جاء في تقرير مراسل الصحيفة. وأفادت الصحيفة نفسها, في 16 تموز\ يوليو, أن القرية باتت تحت السيطرة الإسرائيلية, وأن الهجوم العربي المضاد الذي شن في ذلك اليوم, والذي أسفر عن مقتل خمسة عشر من أفراد الإرغون وجرح عشرين آخرين, لم ينجح في استردادها. ( وقالت الإرغون إن الهاغاناه خذلتها إذا انسحبت من مواقعها في جبل متاخم, ولم تقدم لها التغطية النارية في أثناء الهجوم العربي, إلا إن الهاغاناه نفت هذه الاتهامات). بعد أيام معدودة, أي في 22 تموز\ يوليو, أخبر قائد منطقة القدس الإسرائيلي, دافيد شلتيئيل, مراسل صحيفة (نيورك تايمز) أن قريتي المالحة وعين كارم (الاستراتيجيتين) قد احتلتا في الفترة الممتدة بين الهدنتي, وانتهى بذلك (خطر اجتياح مصري) للقدس.

 

القرية اليوم

لا يزال كثير من منازل قائما وتحتله عائلات يهودية, وإن كانت بضعة منازل في الركن الجنوبي من القرية قد هدمت. وبصورة عامة تتألف المنازل الحجرية الآهلة من طبقتين ولها نوافذ وأبواب مقنطرة. ولبعض هذه المنازل شرفات ذات سطوح قائمة على أعمدة وقناطر. أما مدرسة القرية فمهجورة, تملأ النفايات غرفها. بعض شوارع القرية عريض مرصوف بالحجارة بينما بعضها الآخر ليس إلا أزقة تتخللها في بعض المواقع درجات حجرية. ولا يزال في وسط القرية مسجدها ذو المئذنة العالية المستديرة, وهو مقفل ومهمل. وتقع جنوبي الموقع مقبرة القرية التي ينتصب فيها خمسة مدافن كبيرة بين قبور أصغر منها, أحدها مفتوح وتظهر منه عظام بشرية. وتغطي البساتين الوادي والمنحدرات الجنوبية والجنوبية الشرقية, كما تحف بالجانبين الغربي والشمالي لموقع القرية أطراف من حي رمات دانيا, وهو من الأحياء الإسرائيلية في القدس.

المغتصبات الصهيونية على اراضي القرية

صورة لقرية المالحه - فلسطين: : منظر عام لقرية المالحة يمكن رؤية معظم بيوت ومسجد القريه , حيث تم تصويرها بتاريخ 1-1-1949 

في سنة 1949 أنشأ الصهيونيين ضاحية مناحت ( 167129) في موقع القرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *