كانت القرية قائمة على السفوح الغربية لجبال الخليل، ومبنية على أرض متموجة تنبسط تحتها طبقة من الصخور الكلسية البيض الطرية التي يعود تاريخها إلى العصر الجيولوجي الأيوسيني. وكانت تجاور الطريق الممتد بين بيت جبرين وطريق القدس-يافا العام، والتي كانت تصلها بطرق فرعية أخرى، وتؤدي إلى بيت لحم وإلى عدد من القرى، مثل دير الدبان وعجّور وتل الصافي. ويعكس اسم القرية صورة التواصل الثقافي لدى سكان المنطقة منذ عهدي الرومان والبيزنطيين؛ فقد كان الموقع نفسه يدعى كابر زخاريا (Caper Zacharia) في ذينك العهدين، وكان ضمن ناحية بيت جبرين الإدارية. في سنة 1596، كانت زكريا قرية في ناحية القدس (لواء القدس)، وعدد سكانها 259 نسمة. وكانت تؤدي الضرائب على عدد من الغلال كالقمح والشعير والزيتون، بالإضافة إلى عناصر أخرى من الإنتاج كالماعز وخلايا النحل.
في أواخر القرن التاسع عشر، كانت زكريا قائمة على منحدر واقع فوق واد منبسط فسيح محاط ببساتين الزيتون الواسعة. ومنازلها مبنية بالحجارة والطين. أما سكانها، فكانوا من المسلمين. وكانت الأجزاء القديمة من القرية تقع وسطها وفي حيها الشمالي وحيها الجنوبي. وكان مركزها يتكوّن من مسجد، ومقام لشيخ يدعى حسن، وسوق ناشطة، ومدرسة ابتدائية. وقد امتدت القرية في العصر الحديث في الاتجاهات كلها، ولا سيما الشمال والجنوب. وكان سكانها يستمدون مياه الشرب من بئرين: بئر السفلاني التي حفرت قرب وادي عجّور، وبئر الصرارا إلى الشمال من القرية. كما كان بعض المياه يستمد من آبار منزلية كانت مياه الأمطار تُجمع فيها.
كانت الزراعة البعلية تشكل عماد اقتصاد القرية، وكانت الحبوب والفصوليا والفاكهة والزيتون أهم محاصيلها. في 1944/1945، كان ما مجموعه 6523 دونماً مخصصاً للحبوب، و961 دونماً مروياً أو مستخدماً للبساتين؛ منها 440 دونماً حصة الزيتون. وكانت تربية الدواجن تأتي في المحل الثاني من اهتمام القرويين، الذين كانوا يرعون قطعان الغنم والماعز على منحدرات التلال والأودية، فتأكل مما ينبت فيها من أعشاب برية وحشائش. وكان في جوار القرية عدة مواقع أثرية قديمة؛ فعلى بعد كيلومتر إلى الجنوب الغربي كان تل زكريا الذي يرتفع 117 متراً فوق السهل. أمّا السهل الممتد إلى الشرق، فهو موقع وادي البُطم حيث قاتل داود جُلْيات، كما ورد في العهد القديم (صموئيل الأول 17). وقد نُقب تل زكريا في سنة 1898، فاتضح أنه موقع مدينة أزكاح القديمة التي يمكن أن تكون هي المقصودة في نص مكتوب على قطعة فخارية أثرية عُثر عليها في تل الدوير وقيل إن أزكاح هي الموضع الذي انتصر يشوع فيه على الكنعانيين.
إحتلال القرية وتطهيرها عرقيا
تعرضت زكريا أول مرة للهجوم خلال الأيام الأولى من الحرب، في سياق المعارك التي دارت حول كتلة المستعمرات اليهودية المعروفة باسم كفار عتسيون، جنوبي بيت لحم. فقد ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز”، نقلاً عن “مصادر عربية”، أن وحدة من الهاغاناه قُدر عديدها بمئة رجل حاصرت زكريا وقريتين أخريين هما: دير آبان وبيت نتيف. ودامت “الحملة التأديبية” التي شُنّت على هذه القرى، انتقاماً لكمين نُصب في الجوار لقوة صدامية من البلماح، نحو 24 ساعة. وذكرت “نيويورك تايمز”، أيضاً، أن القوات الإسرائيلية فتحت نيرانها على القرى الثلاث في 17 و18 كانون الثاني/يناير 1948، لكن الصحيفة لم تأت إلى ذكر عدد الإصابات بين السكان.
احتلت زكريا بعد أكثر من تسعة أشهر قبيل نهاية عمليتي ههار ويوآف، بعدما أصبحت مناطق العمليات الإسرائيلية متجاورة في الأسبوع الأخير من تشرين الأول/أكتوبر 1948. فقد اقتحمت وحدات إسرائيلية (المرجح أنها الكتيبة الرابعة من لواء غفعاتي) القرية في 23 تشرين الأول/أكتوبر 1948، واصلةً بذلك أجزاء تلال الخليل التي يسيطر الإسرائيليون عليها بممر القدس. وخلافاً لباقي سكان القرى التي احتُلّت خلال هذه العمليات، فإن سكان زكريا لم يُطردوا من قريتهم عند احتلالها. إلا أن المؤرخ الإسرائيلي بني موريس يذكر أنه بعد أكثر من عام، أي في آخر سنة 1949 تقريباً، وضعت الأجهزة العسكرية الإسرائيلية مخططاً لطرد سكان زكريا، فضلاً عن سكان سبع قرى أخرى (معظمها في الجليل الشمالي). لكن “الاحتجاجات السياسية من وزارة الخارجية (وربما من غيرها) جمّدت عملية التنفيذ” ؟ استناداً إلى موريس.
استمرت الجهود لطرد سكان زكريا، ومثلهم سكان قرى عدة في وضع مماثل، حتى السنة التالية. وكانت زكريا من أطول هذه القرى بقاءً على الرغم من الأوضاع الصحية والغذائية “المريعة” التي شهدتها القرية؛ وهذا استناداً إلى موريس. في آذار/مارس 1949، لاحظ المسؤول عن قضاء القدس في وزارة الداخلية الإسرائيلية أن “ثمة في القرية منازل عدة جيدة، وأن من الممكن إسكان عدة مئات من المهاجرين الجدد فيها”. وفي كانون الثاني/يناير 1950 عقد رئيس الحكومة دافيد بن غوريون اجتماعاً مع وزير خارجيته موشيه شاريت، ومدير الصندوق القومي اليهودي يوسف فايتس، وقرروا إجلاء سكان زكريا، “[لكن] من دون إكراه”. ثم تم إخلاء زكريا من سكانها في 9 حزيران/يونيو 1950- لكن طريقة الإخلاء لم تُبيّن ؟ ونُقل معظمهم إلى الرملة، وربما ذهب بعضهم إلى الأردن.
القرية اليوم
بقي المسجد في الموقع ومجموعة من المنازل، بعضها مهجور وبعضها يقيم فيه يهود. وتغطي النباتات البرية معظم أرجاء الموقع. والمسجد في حال مزرية من الإهمال بعد أن نمت النباتات البرية على حيطانه وسطحه والأرض المحيطة به، ونُصب علم إسرائيلي على مئذنة. أحد المنازل التي يشغلها الإسرائيليون بناء حجري مؤلف من طبقتين، وحديد مشبّك. ويزرع الفلاحون الإسرائيليون قسماً من الأراضي المحيطة بالموقع.
المغتصبات الصهيونية على اراضي القرية
في سنة 1950، أنشئت مستعمرة زخاريا على أراضي القرية، بالقرب من موقعها.