كانت القرية تنهض على تل صخري في قلب جبال الجليل الأعلى. وكانت تقع عند تقاطع شبكة طرق تصلها بالقرى والمدن المجاورة، ومنها صفد. وقد ذكر الجغرافي العربي أبو عبيد الله البكري (توفي سنة 1094) أنه مر بسعسع لدى سفره من دير القاسي إلى صفد [((الرحلة الثانية))، مذكور في الخالدي 1968: 149]. في سنة 1596، كانت سعسع قرية في ناحية جيرة (لواء صفد)، وعدد سكانها 457 نسمة. وكانت تؤدي الضرائب على عدد من الغلال كالقمح والشعير والزيتون والفاكهة، بالإضافة إلى عناصر أخرى من الانتاج والمستغلات كالماعز وخلايا النحل وكروم العنب. في أواخر القرن التاسع عشر، وُصفت سعسع بأنها قرية مبنية على تل قليلة الارتفاع، تحف بها كروم العنب وأشجار التين والزيتون، وعدد سكانها 300 نسمة.
ونظراً إلى قرب سعسع من لبنان ومن شبكة طرق عدة فقد أنشأ البريطانيون فيها، في أواخر الثلاثينات، أبراج مراقبة وسياجات من الأسلاك الشائكة. وكانت غايتهم رصد أنشطة المجاهدين الفلسطينيين، والحؤول دون حصولهم على الدعم من وراء الحدود. وكانت منازل القرية، وهي مبنية بالحجارة والطين، متلاصقة بعضها ببعض بحيث تشكل صفوفاً تفصل بين أزقة متلوية ضيقة. وكانت بضعة ينابيع تؤمن لسكانها، وكلهم من المسلمين، وفرة من المياه. وكان في القرية سوق صغيرة فيها بعض دكاكين، كما كان فيها مسجد ومدرستان ابتدائيتان: إحداهما للبنين، والأخرى للبنات. وقد قطع سكان القرية الأشجار البرية التي كانت تحف بالقرية، واستبدلوا بها انواعاً مثمرة كالتفاح والزيتون والعنب. في 1944/1945، كان ما مجموعه 4496 دونماً مخصصاً للحبوب، و1404 من الدونمات مروياً أو مستخدماً للبساتين. وكانت سعسع مبنية في موقع كان آهلاً، يعود تاريخه إلى العصر البرونزي (أوائل الألف الثاني قبل الميلاد)، استُخرجت آثاره (حيطان وقبور وصهاريج ومعاصر زيتون وعنب) من الأرض. ومن أبنية القرية بناء ظل قائماً، مع أنه مهجور ومصاب بأضرار، حتى الستينات (حين أطاحت فرق الجرافات بالكثير من أبنية القرية)؛ وربما كان تاريخ بنائه يعود إلى القرن الثامن عشر. وقد أرخ علماء الآثار أُسس هذا البناء، فوجدوها تعود إلى القرن الرابع للميلاد.
إحتلال القرية وتطهيرها عرقيا
ارتكبت قوات الهاغاناه مجزرتين في سعسع سنة 1948: الأولى في منتصف شباط/فبراير، والثانية في أواخر تشرين الأول أكتوبر.
ففي 15 شباط/فبراير، أغارت سرية من كتيبة البلماح الثالثة على القرية لأنها كانت تُستخدم قاعدة لمقاتلين عرب من أبناء القرية ومن الغرباء))، بحسب ما جاء في ((تاريخ الهاغاناه)). وكانت الأوامر المعطاة لقائد الكتيبةن موشيه كلمان، تنص على ((نسف عشرين بيتاً وإصابة أكبر عدد ممكن من المقاتلين.)) وقد اقتحم المغيرون القرية ليلاً ووضعوا عبوات ناسفة في بعض المنازل وشغلوا الصواعق، فكانت النتيجة أن دُمرت عشرة منازل تدميراً كلياً أو جزئياً، وقُتل ((عشرات)) الأشخاص؛ وذلك استناداً إلى تقديرات الهاغاناه. وقد اختصر قائد العملية ذلك بالقول أن الغارة ((أوقعت ذعراً كبيراً في أفئدة سكان القرى [في المنطقة].)) ويشير ((تاريخ حرب الاستقلال)) إلى المجزرة باعتبارها ((من أجرأ الغارات في عمق منطقة العدو.))
لكن التقارير الصحافية في تلك الفترة كذبت الزعم أن القرية كانت تستخدم قاعدة عسكرية. فاستناداً إلى تقرير أوردته صحيفة ((نيويورك تايمز))، فإن مجموعة كبيرة من الرجال المسلحين دخلت القرية، وزرعت العبوات الناسفة حول المنازل ((من دون مقاومة)). ويقول التقرير إن 11 قروياً قتلوا (5 منهم أطفال صغار) وجرح 3، وإن 3 منازل دمرت تدميراً كاملاً، وأصيب 11 منزلاً آخر بأضرار بالغة. وقد اعتبرت الصحيفة الغارة دليلاً على أن القوات الصهيونية بادرت إلى الهجوم في الجليل الشمالي. واستناداً إلى وكالة إسوشييتد برسن فإن المهاجمين أنفسهم أغاروا على قرية طيطبا في الوقت نفسه.
أما المجزرة الثانية، فدق ارتُكبت في 30 تشرين الأول/أكتوبر، يوم احتلال القرية في سياق عملية حيرام. ويذكر وصف الهاغاناه للعملية أن اللواء شيفع (السابع) استولى على سعسع بيسر، وأن الوحدة التي نفذت ذلك لم تواجه أية مقاومة. ومع ذلك، فقد ارتكبت أعمال ((قتل جماعي)) في القرية (بحسب تعبير رئيس أركان الهاغاناه، يسرائيل غاليلي). واستناداً إلى المؤرخ الإسرائيلي بني موريس، فإن غاليلي أخبر زعماء حزب مبام، في أثناء اجتماع عقد بعد أسبوع من احتلال القرية، أن بعض القرويين طُرد أيضاً. وقال سكان القرية، الذين أجريت مقابلات معهم لاحقاً، أن نفراً منهم كان هرب في الصباح الذي سبق احتلال القرية بعد أن شوهدت طائرة إسرائيلية تحوم وتقصف صفصاف والجش، وبعد سماع صوت إطلاق النار طوال الليل. غير أن آخرين هربوا، فيما يظهر، بعد أن سمعوا بالفظائع اليت ارتكبت في صفصاف؛ وذلك استناداً إلى شهود عيان قابلهم المؤرخ الفلسطيني نافذ نزال. لكن لا تفصيلات متاحة عن أعمال القتل التي ربما ارتُكبت في صفصاف.
يمكن أن يكون المرء فكرة عن معاناة سكان القرية جراء هذا الخبر الذي يورده قائد الجبهة الشمالية الإسرائيلي، موشيه كرمل، بعد حادثة شاهدها قرب سعسع في إثر احتلالها؛ قال: ((شاهدت فجأة إلى جانب الطريق رجلاً طويل القامة، منحنياً بحفر التراب الصخري القاسي بأظفار يديه؛ فتوقفت. رأيتُ تحت شجرة زيتون حفرة صغيرة في الأرض، محفورة بالأيدي والأظفار. أنزل الرجل جثمان طفل مات في حضن أمه، ثم وضع التراب عليه وغطاه بحجارة صغيرة)).
القرية اليوم
لا يزال بعض أشجار الزيتون العتيقة حيث كان، كما لا يزال عدد من المنازل والحيطان قائماً. بعض هذه المنازل يستعمله حالياً سكان المستعمرة؛ ولأحدها مدخل مقنطر ونوافذ مقنطرة. وقد حُوّل قسم كبير من الأراضي المجاورة إلى غابات، أما الباقي فيستغله المزارعون الإسرائيليون.
المغتصبات الصهيونية على اراضي القرية
تقع مستعمرة سعسع، التي أُنشئت في سنة 1949، في موقع القرية.