صرفند العمار

كانت القرية تقوم على رقعة مستوية من الأرض في السهل الساحلي الأوسط، إلى الغرب من الطريق العام الممتد بين الرملة ويافا. وكانت تدعى أيضا صرفند الكبرى لتفريقها عن صرفند الصغرى, سميتها الواقعة على بعد نحو 5 كلم الى الجنوب الغربي. في سنة 1596, كانت صرفند قرية في ناحية الرملة( لواء غزة), وعدد سكانها 358 نسمة. وكانت تؤدي الضرائب على عدد من الغلال كالقمح والشعير والسمسم والفاكهة, بالإضافة الى عناصر أخرى من الإنتاج والمستغلات كالماعز وخلايا النحل والبساتين. وقد ذكر الرحالة
المصري الصوفي, مصطفى أسعد اللقيمي ( توفي سنة 1764), أنه زار مقام لقمان الحكيم ( أنظر صرفند الخراب) في صرفند, احداهما آهلة والأخرى خربة مقفرة. وهكذا فمن الجائز أن صرفند الكبرى كانت تعرف أيضا بصرفند العمار, ولئن كانت صرفند الصغرى هي القرية الخربة المشار إليها, إذن فهي عرفت بصرفند الخراب. ومهما تكن الحال, فإن مؤلفي كتاب ( مسح فلسطين الغربية) لم يشاهدوا, عندما مروا بالمنطقة في السبعينات من القرن السابق, إلا قرية واحدة بهذا الاسم. وقالوا إنها كانت قرية مبنية بالطوب على مرتفع من الأرض وإن بضع شجرات زيتون كانت منتشرة حولها.
في فترة الانتداب اكتسبت صفة ( العمار) دلالة إضافية إذا غيرت الحوادث حالي الصرفندين. فقد أنشأ البريطانيون أضخم قاعدة عسكرية لهم في الشرق الأوسط بالقرب من صرفند الكبرى, الأمر الذي زاد عمرانها عمرانا. وبنى البريطانيون أيضا سجنا للمناضلين الفلسطينيين في جوارها. وفي الوقت نفسه تقريبا, أي في أواخر العشرينات, أحرق البريطانيون صرفند الصغرى, فجعلوها موقتا في حال خراب مرة ثانية ( أنظر صرفند الخراب).
كانت صرفند العمار على شكل المستطيل, وكانت منازلها مبنية بالطين, وفيها مقام شعبي للقمان الحكيم. وكان سكانها يتألفون من 1910 مسلمين, و 40 مسيحيا. وكانت تضم مدرستين ابتدائيتين, أحداهما للينين والأخرى للبنات. أسست مدرسة البنين في سنة 1921, صارت مدرسة ابتدائية مكتملة في العام الدراسي 1946\1947. وكان يؤمها في ذلك الوقت 292 تلميذا ثم ألحق بها أربعة عشر دونمات من الأرض لأغراض التدريب الزراعي. أما مدرسة البنات فقد أسست في سنة 1947, وكان عدد تلميذاتها 50 وكان في جوارها متيم الرجاء (لأبناء الفلسطينيين الذين استشهدوا في ثورة 1936-1939 ضد البريطانيين), ومستشفى حكومي, ومحطة زراعية. وكانت الزراعة أبرز الأنشطة الاقتصادية في القرية, التي كانت الحمضيات أهم غلالها. في 1944\1945, كان ما مجموعه 3509 من الدونمات مخصصا للحمضيات والموز, و 4012 دونما للحبوب, و 1665 دونما مرويا أو مستخدما للبساتين. وكانت البساتين تروى من مياه الآبار, أما الغلال الأخرى فكانت بعلية. كما كانت الآبار الأرتوازية توفر مياه الشرب للسكان. وتشير الدلائل الأثرية الى أن القرية كانت قائمة أيام الرومان والبيزنطيين.

إحتلال القرية وتطهيرها عرقيا 

صباح 2 كانون الثاني\ يناير 1948, اكتشف العاملون من العرب في قاعدة الجيش البريطاني الضخمة في الصرفند اثنتي عشرة كانت مؤقتة كي تنفجر ظهرا, وعندما يصطف هؤلاء العمال لقبض رواتبهم الأسبوعية. وقد لاحظت صحيفة ( فلسطين) أن أيا من العمال اليهود لم يحضر الى القاعدة للعمل في ذلك اليوم, لافتة النظر الى أن الجماعات الصهيونية المسؤولة عن العملية كانت حذرتهم.
في 15 نيسان\ أبريل 1948, شنت مجموعة من لغامي الهاغاناه غارة على صرفند العمار. وقد توغل المهاجمون ( في عمق الأراضي العربية)- استنادا إلى رواية لصحيفة ( نيويورك تايمز)- ودمروا بناء مؤلفا من ثلاث طبقات. وذكرت السلطات البريطانية أن 16 شخصا قتلوا تحت أنقاض البناء, وأن 12 جرحوا. أما المهاجمون فقد زعموا, في بيان أصدروه أن البناء كان يستعمله مجاهدون تابعون للشيخ حسن سلامة, قائد منطقة يافا- الرملة- اللد- غزة, وأن 39 شخصا قتلوا في الغارة.
عندما غادر الجيش البريطاني فلسطين, في منتصف أيار\ مايو, سمح للقوات العربية باستلام القاعدة العسكرية التي كانت تشغل مساحة تقارب 500 أكر. وقد نقلت ( نيويورك تايمز) عن وزير الخارجية الإسرائيلي, موشيه شرتوك ( شاريت), قوله إن المؤسسات اليهودية ابتاعت القاعدة, وإنها سلمت على الرغم من ذلك الى العرب. واستنادا الى ( تاريخ حرب الاستقلال), سلم الموقع الى القوات العربية في 14 أيار\ مايو. والقوة العربية ( شبه النظامية الصغيرة), المرابطة هناك, طردت بعد خمسة أيام نتيجة هجوم ذي شعبتين شن عليها من الشمال ومن الجنوب الشرقي, ذلك بأن تشكيلة الدفاع لدى تلك القوة العربية لم تكن معدة إلا لهجوم من مستعمرة ريشون لتسيون المجاورة (إلى جهة الغرب). وتضيف هذه الرواية ( أن الموقع المتقدم وقع في أيدينا من دون إصابات). ونقلت وكالة إسوشييتد برس, عن مصادر صهيونية لم تفصح عن اسمها, أن الصهيونيين وفروا 2,5 مليون دولار بالاستيلاء على تلك القاعدة, وهو المبلغ الذي كانوا عرضوه, فيما روي,( ولم يدفعوه قط) ثمنا للقاعدة. وقد أعلنت المصادر عينها أنها تأمل بالاستفادة من أبنية القاعدة لإيواء 20000 مهاجر يهودي جديد.
والأرجح أن صرفند سقطت ليل 19-20 أيار\ مايو 1948, بيد الكتيبة الثانية من لواء غفعاتي التابع للجيش الإسرائيلي. وهذا يدرج احتلال القرية في سياق عملية براك, التي شنها لواء غفعاتي في منطقة الرملة ( أنظر البطاني الغربي, قضاء غزة). ومن الممكن أن يكون سكان القرية فروا في الوقت نفسه, أو طردوا.

القرية اليوم

بات الموقع, الذي يحتوي على ما يمكن اعتباره أكبر معسكر للجيش الإسرائيلي, وعلى قاعدة جوية, يعد منطقة عسكرية مغلقة. ولم يبق من القرية إلا ستة منازل, معظمها مهجور. غير أن الإسرائيليين يشغلون منها منزلا, أو منزلين. أما الأراضي المحيطة, فيزرعها الإسرائيليون.

المغتصبات الصهيونية على اراضي القرية

في سنة 1949, أنشأت إسرائيل على أنقاض القرية مستعمرة تسريفين ( 136151), التي تضم معسكرا للجيش الإسرائيلي. كما أنشئت مستعمرة نير تسفي ( 137151) في سنة 1954. وأنشئت مستعمرة تلمي منشيه ( 135150) في الجوار سنة 1953و وعلى الرغم من أنها قريبة من الموقع, فإنها مبنية على أراضي قرية أبو الفضل المدمرة.

المصدر:
كتاب كي لا ننسى، وليد الخالدي
www.palestineremembered.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *