كان الشيخ حسن أحد ضحايا التطهير العرقي الذي نفذته عصابات الحركة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، أصحاب الأرض الأصليين، لذلك ومن أجل المحافظة على الذاكرة الجمعية الفلسطينية فإن المؤسسة عازمة على إنشاء “متحف الذاكرة الفلسطينية” لفضح وكشف جرائم التطهير العرقي التي ارتكبت بحق أكثر من ثمانمائة ألف (000,800) فلسطيني أجبروا على مغادرة بيوتهم المحروقة وأراضيهم وقراهم المهدمة، واضطروا لترك جثث أطفالهم وأقربائهم وأحبتهم خلفهم، وفضح حقيقة هذا الكيان الإرهابي العنصري أمام الرأي العام العالمي الصامت تجاه تشريد مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين خارج وطنهم عام 1948 و1967 والذين فاق عددهم الآن الخمسة ملايين، يعيشون في المنافي في مخيمات اللاجئين وفي الشتات.
الفكرة
تقوم فكرة إنشاء “متحف الذاكرة الفلسطينية” على توثيق حقائق التاريخ التي تثبت علاقتنا بهذه الأرض منذ الآلف السنين وفي ذات الوقت تثبت زيف إدعاءات الصهاينة وآنية وجودهم على هذه الأرض عبر التاريخ وصولاً إلى دحر فكرهم وكيانهم ومقاضاة قادتهم لارتكابهم جرائم التطهير العرقي وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ولإثبات حقيقة هذا الكيان بالصورة والمعلومة الموثقة وبالشهادات الحية للضحايا وذريتهم من بعدهم سواء كانوا على أرض الوطن أو في اللجوء والشتات، وبشهادات واعترافات الأحياء والأموات من المجرمين الصهاينة مرتكبي هذه الفظائع، بأن هذا الكيان عنصري استعماري استيطاني وإحلالي وجب اقتلاعه من هذه الأرض ومن ذاكرة شعوب العالم المناضل من أجل حريته وكرامته.
إن توثيق حرب التطهير العرقي التي نفذتها العصابات الصهيونية بحق أبناء شعبنا العربي الفلسطيني بدءاً من مطلع القرن العشرين ولغاية اليوم ضمن خطة ممنهجة ومخططة ومبرمجة شارك بها رواد حركة الاستعمار الأوروبي في حينها والولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، سوف تساهم إلى حد كبير أولاً في حفظ الذاكرة العربية الفلسطينية حية تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل في الوطن واللجوء والشتات وتشكل موروثاً جمعياً لكل التجمعات الفلسطينية وثانياً لتبقى حاضرة في ذاكرة الأجيال العربية من المحيط إلى الخليج وأخيراً لتبقى دليلاً ساطعاً في ضمير العالم أجمع على حقيقة جرائم هذا الكيان الاستعماري العنصري الإرهابي وصولاً لاجتثاثه من خاصرة العرب.
مبنى الفكرة
تتمحور الفكرة بالأساس على استعراض علاقة العربي الفلسطيني بهذه الأرض منذ آلاف السنين بالصورة والمعلومة الموثقة والمثبتة تاريخياً وعلمياً وإنسانياً وعلاقة هذه الأرض بالحضارات التي انبثقت منها وتفاعل السكان الأصليون معها وتأثرهم بها وتأثيرهم فيها على مدى السنين.
وتتبلور وتتجسد فكرة المتحف تدريجياً وفق خط يتوازى زمنياً مع الخطوات الأولى للمشروع الاستيطاني الصهيوني على أرض فلسطين منذ عام 1878 مع إنشاء أول مستعمرة صهيونية زراعية فوق أراضي قرية ملبس العربية، الواقعة بين طولكرم ويافا على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وموجات الهجرة المتتالية والاستيلاء على الأرض وطرد الفلاحين الفلسطينيين منها.
من هم أوائل المستعمرون هؤلاء ومن أين جاؤوا؟ وكيف كانوا يستولون على أراضي الفلاحين العرب؟ وكيف تعامل أصحاب الأرض العرب مع هذا الواقع؟ وبالمقابل، ما هو موقف الإمبراطورية العثمانية التي كانت تسيطر على المنطقة العربية حينها وكيف تعاملت مع هذه المستجدات؟ وما علاقة ذلك كله بحركة الإستعمار البريطاني والفرنسي التي كانت تعد العدة للإستيلاء على المنطقة العربية برمتها بعد القضاء على الحكم العثماني؟
لقد تمكنت الحركة الصهيونية العالمية من الاستفادة من واقع الاستعمار قبل وبعد الحرب العالمية الأولى لترسيخ تواجدها الفعلي على أرض فلسطين رغم معارضة المواطنين العرب وقتالهم العنيد للحفاظ على أرضهم بوجه الطاغوت الثلاثي الذي تبلور بعد سايكس-بيكو والأحداث التي تلته بما فيها ثورة 1936-1939 وصولاً لحرب التطهير العرقي نهاية عام 1947 وأثناء عام 1948 والجرائم البشعة التي نفذتها العصابات الصهيونية العنصرية، على مسمع ومرأى النظام العالمي والبشرية جمعاء، من تدمير وحرق للقرى والمدن إلى أعمال القتل والذبح المباشر لتجمعات سكانية بأكملها مثلما حصل بقرية دير ياسين والطنطورة وكفر قاسم والدوايمة وغيرهم، ما يعيد للأذهان عمليات التطهير العرقي التي ارتكبها الرجل الأبيض في الأمريكيتين وأفريقيا وأستراليا. كل ذلك نفذ بناء على خطة محكمة تم الإعداد لها وصياغتها من قبل العصابات الصهيونية قبل سنوات من ذلك التاريخ استناداً عل أرشيف متكامل للقرى الفلسطينية المحيطة بالقدس غرباً باتجاه الساحل الشمالي وقرى المثلث والجليل وهو ما كان يعرف حينها ب “ملفات القرى”.
خطة العمل
في سياق توثيق الرواية الفلسطينية للحق التاريخي على أرض فلسطين يجري حفظ وإثراء وإحياء الذاكرة الجمعية لشعب حي ما زال يعيش مأساته على أرضه المسلوبة في الاحتلال الأول 1948 والثاني 1967 وفي مخيمات اللجوء والشتات، كما يجري تذكير البشرية بالجريمة النكراء التي ارتكبها بحقه الاستعمار القديم والجديد ممثلاً بالصهيونية العنصرية الاستيطانية الإحلالية وجرائمها في مذبحة غزة الأخيرة وحصارها المستمر منذ 3 سنوات وفي استمرار تهويد القدس والضفة الغربية وتحويل التجمعات السكانية الفلسطينية فيها إلى كانتونات معزولة عن امتدادها الديموغرافي والجغرافي.
سوف يجري توثيق المعلومة بالصورة والشهادة الحية لضحايا التطهير العرقي ومرتكبي الجرائم تماماً كما حصلت وفق تسلسلها التاريخي بدءاً بالقرى العربية الغربية على طريق القدس- يافا في الأول من نيسان عام 1948 ضمن “الخطة دال” من عملية التطهير العرقي وانتهاءً بقرى الجليل الأعلى وقرى النقب.
وفي هذا السياق سيجري مسح شامل لكل قرية تم حرقها وتدميرها وقتل وتهجير أهلها من حيث عدد سكانها، أعداد وأسماء الضحايا، أين هاجر الناجون منها وفي أي من مخيمات اللاجئين استقروا سواء في الوطن الأم أو في دول الطوق والشتات. وما له أهمية قصوى هنا هو توثيق رواية الشهود من أهالي الضحايا الناجون وكل من شاهد ارتكاب الجرائم بأم عينه، علماً أنه مضى أكثر من أثنين وستين عاماً على جرائم التطهير العرقي مما يعني أن شهود العيان الذين ما زالوا على قيد الحياة قد تخطوا الخامسة والسبعون من عمرهم وهذا يقتضي ضرورة الإسراع بتسجيل الرواية الشفوية قبل فوات الأوان.
ومن ناحية أخرى توثيق ما حل بهذه القرى بعد تهجير أهلها منها، وإن تم تشييد مستوطنات مكانها، ومن هم المستوطنون الذين سكنوها، من أين جاؤوا وما علاقتهم بهذه الأرض التي سكنوها.
وفق الإحصائيات المتوفرة الآن فإن عدد القرى التي تم تدميرها يتراوح ما بين 450-536 قرية وأن عدد الفلسطينيين الذين هجروا من قراهم ومدنهم فاق 800 ألف نسمة توزعوا على أكثر من خمسين مخيماً للاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن ولبنان وسوريا.
آلية التنفيذ
المرحلة الأولى: نظراً لأهمية التسجيل الحي والمباشر لروايات شهود العيان الموزعين في العشرات من مخيمات اللاجئين وفي دول الشتات فإن هذا يقتضي البدء الفوري بتشكيل لجان مسح اجتماعي في كل مخيم من المخيمات تكون أولوية مهماتها تسجيل وتوثيق روايات المهجرين من كبار السن ومن ثم البدء بإحصاء وتوثيق رواية أهالي المخيم، من أي القرى بفلسطين جاؤوا وكيف توزعوا على باقي المخيمات وكيف انتهى بهم المطاف الآن.
ومن الجدير ذكره أن أهالي كل مخيم من مخيمات اللجوء هم تجمعات متجانسة من ذات القرى، مثل أهالي قرى اللد والرملة الذين تجمعوا في مخيم الجلزون للاجئين قرب مدينة رام الله في الضفة الغربية، وكذلك الأمر بالنسبة لأهالي مخيم برج البراجنة في لبنان الذين قدموا من قرىترشيحا والكابري والكويكات في الجليل الأعلى.
وعليه، يكون من المنطقي والعملي أن تتشكل لجان المسح الاجتماعي في كل مخيم من مخيمات اللاجئين وفق انتمائهم للقرية التي هجروا منها ما يساهم في سهولة عملية التوثيق وتعقب حركة الأهالي ورحيلهم خارج المخيم أو البلد المضيف إلى بلد الشتات.
وبالتالي سوف يكون لدينا في نهاية الأمر ما يزيد على خمسين لجنة مسح اجتماعي تتوزع على مخيمات اللاجئين إضافة إلى عدد من اللجان العاملة في المناطق المحتلة عام 1948 لرصد وتعقب وتوثيق حركة التهجير الداخلية التي جرت أثناء عمليات التطهير العرقي من مثل هجرة أهالي بعض قرى بيسان وطبريا إلى قرى وبلدات المثلث والجليل الأسفل.
المرحلة الثانية: تسجيل رواية وشهادة اللاجئين الذين هاجروا من مخيماتهم للمرة الثانية إلى دول الشتات وذلك بهدف الدراسة والعمل أو لتحسين أوضاعهم المعيشية.
المرحلة الثالثة: تسجيل وتوثيق الاعترافات التي سجلها قادة العصابات الصهيونية، الأحياء منهم والأموات، ومذكرات ديفيد بن غوريون والتي يقرون فيها ارتكابهم جرائم القتل مع سبق الإصرار وجرائم الحرق والتدمير والتهجير للسكان الفلسطينيين من قراهم ومدنهم. وقد باتت هذه الاعترافات الآن متاحة للعامة ضمن الأرشيف العام وبإمكان الدارسين والباحثين الاطلاع عليها. وكذلك توثيق روايات الشهود من المحاكم العسكرية التي بحثت بعدد من المذابح التي ارتكبها المجرمون الصهاينة وحكمت على يعضهم بأحكام خفيفة.
متحف الذاكرة الفلسطينية
تجميع الأفلام التسجيلية والوثائق والمعلومات والصور التي تم رصدها في المراحل الثلاث في متحف الذاكرة الفلسطينية في إحدى بلدات الجليل الأعلى، حيث تم ارتكاب الجريمة، هناك يكون المقر الرئيسي للمتحف.
وفي هذا المتحف سيتمكن الفلسطيني والزائر من متابعة مشاهد تفاصيل جريمة التطهير العرقي في كل قرية من القرى التي تم حرقها وتدميرها وتهجير أهلها وتتبع ورصد هجرة الناجين منها ولجوئهم وحياتهم في مخيمات القهر والتعذيب بالصور والأفلام التسجيلية والوثائق، وسيتمكن الفلسطيني بمخيمات اللجوء من مشاهدة ذات الجريمة من على الصفحة الإلكترونية التي سيتم بناؤها تدريجياً مع كل مرحلة من مراحل العمل لتشييد صرح المتحف.
وحتى ننقل معالم الجريمة وتفاصيلها إلى العالم بأسره سيتم إنشاء صورة طبق الأصل عن هذا المتحف في لندن، حيث صدر وعد بلفور بإنشاء دولة لليهود على أرض فلسطين وتشريد مئات الآلاف من أهلها وحيث جرى تبني ودعم المشروع الصهيوني على الأرض أثناء الانتداب البريطاني ولغاية يومنا هذا.
ولتسليط الضوء على الدور الأمريكي في استمرار المأساة التي يعيشها الملايين من الفلسطينيين اللاجئين والمشردين في أصقاع الأرض والفلسطينيين في احتلال 1948 و 1967، سيجري لاحقاً افتتاح مقر للمتحف في العاصمة الأمريكية، واشنطن، لتذكير الأمريكيين بما فعلته وتفعله حكوماتهم المتلاحقة من تكريس وترسيخ للاحتلال والاستعمار الصهيوني في فلسطين.