كان قسما القرية الشمالي والجنوبي يتوسطان سهلا في الجانب الغربي من الطريق العام الساحلي. وقد اعتبر كتاب(إحصاءات القرى 1945 ) هذين القسمين كيانين منفصلين وفي الأصل كانت المنطقة تعرف باسم نهر وادي اسكندرونة ثم غير الاسم بعد أن استوطن بنو حارثة تلك الأنحاء في النصف الثاني من القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر. وقد نسب بنو حارثة الى قبيلة بني سبنس التي تنحدر بدورها من بني طيئ وبالتالي من القحطانية تلك القبيلة اليمنية التي تفرقت بطونا مضت الى الحجاز والعراق وفلسطين وسورية في أوائل الفتح الإسلامي. وكان سكان وادي الحوارث عشائر من بني سبنس حتى سنة 1929 كان سكان وادي الحوارث لا يزالون يزرعون أراضي القرية بصفة مستأجرين وفي تلك السنة دخلو معركة متمادية مع الصندوق القومي اليهودي, الذي اشترى الأرض من مالكيها الغائبين والصندوق القومي اليهودي هو الذراع المختصة باستملاك الأراضي وإدارتها في المنظمة الصهيونية العالمية. وهذه الهيئة التي أنشئت في سنة 1901 ولا تزال ناشطة, مسجلة حتى اليوم في نيورك بصفة مؤسسة معفاه من الضرائب.
في سنة 1929 بدا سكان وادي الحوارث يقاومون التدابير التي اتخذها الصندوق القومي اليهودي لطردهم من أراضيهم. وفي تلك السنة قدر عدد من تقديرات تراوحت بين 850 نسمة (استنادا الى دائرة الاستيطان في الوكالة اليهودية) و1000- 1200 نسمة (استناد الى شيخ المفوض السامي البريطاني ), 1500 نسمة استنادا الى شيخ القبيلة. وكانت القبيلة بحسب المفوض السامي تحرث من الأرض ما يتراوح بين 10000 و 15000 دونم وترعى مواشيها في 10000 دونم أخر.
في الثلاثينات من هذا القرن باتت قصتهم رمزا وطنيا لتعبير الفلسطينيين عن مخاوفهم من استيلاء الصهيونيين على الأرض.
والرواية التالية تستند في معظمها الى ادلر, وفي جزء يسير منها الى شتاين.
كانت ارض وادي الحوادث ومساحتها 30000 دونم تقريبا ملكا لأسرة أنطوان بشارة التيان الذي كان يقيم في يافا والظاهر أن التيان كان رهن الأرض أيام العثمانيين لمواطن فرنسي يدعى هنري استراغان وعندما قرر ورقة التيان الثلاثة عشرة أن يبيعوا الأرض ليفوا ؟ فيما يبدو ؟ دين والدهم لاستراغان اتفق ممثل الصندوق القومي اليهودي معهم في تشرين الثاني \ نوفمبر 1928 على شراء الأرض في مزاد علني وقد رعت المحكمة مزادا علنيا عقد في 20 نيسان \ ابريل 1929 . وكان ثمن الأرض في المزاد 41000 جنيه فلسطيني الا أن الثمن الفعلي الذي دفعه الصندوق القومي اليهودي الى الورثة كان يقارب 136000 جنيه مصري أو نحو ثلاثة أضعاف ثمن المزاد. وقد ضمن عقد الصفقة في المحكمة إغفال ذكر أل التيان الذين أرادوا تحاشي الانتقاد العلني ومكن الصندوق القومي اليهودي من الالتفاف على المستأجرين.
ولما أمرت المحكمة في 6 أيلول \ سبتمبر 1930 مستأجري وادي الحوارث بان يغادروا الأرض, رفض هؤلاء وقاوموا الأمر بطرق عدة. وقد لجاوا الى المحاكم مرارا لكن استئنافهم لم يقبل واستنفدت الوسائل القانونية في كانون الأول \ ديسمبر 1932 يوم أصدرت المحكمة العليا حكمها في مصلحة الصندوق القومي اليهودي ضد المستأجرين وفي هذه الأثناء حاول المستأجرين أن يحاولوا بين اليهود وبين إقامة مستعمرة على الأرض التي اشتروها حديثا لكن بحلول سنة 1931 كان اليهود قد غرسوا 43000 غرسة وصفت في محاضر الصندوق القومي اليهودي للسنوات 1928 ؟ 1935 بأنها ( جنود تحمي ارض الوطن) واستعان المستأجرون أيضا بسلطات الانتداب البريطاني التي عرضت عليهم عروضا عدة لتوطينهم في أمكنة أخرى في فلسطين الا أنهم لم يقبلوا تلك العروض ولجاوا بصورة مؤقتة الى بعض القرى الأخرى التي تطوعت لاستضافتهم وعملوا مع الحركة الوطنية. لكن في حزيران \ يونيو 1933 طرد أولئك الذين كانوا في المنطقة التي غرسها الصندوق القومي اليهودي شجرا (والتي تعرف ب(المنطقة مدار التنازع).
وبعد طردهم ( كان الصندوق القومي اليهودي منحهم تعويضا مما كانوا زرعوه من بطيخ وذرة), عادوا فجنوا غلالهم وقد سمح الصندوق القومي اليهودي للمستأجرين الذين وصفهم بعبارة (هؤلاء الأراذل) بان يقوموا بذلك وفي 1944\ 1945 كانوا قد زرعوا 950 دونما حبوبا.
جاء إصرار سكان وادي الحوارث على التمسك بأرضهم نتيجة اقتناعهم بان الأرض أراضهم بفعل إقامتهم فيها منذ 350 عاما. وفي نظرهم كانت ملكية الأرض من قبل مالكين غائبين فكرة مجردة تعني في أحسن الأحوال حق المالك في حصة من الغلال وكان المستأجرون يدركون إن خسارة الأرض تهني تفكك بنيتهم العشائرية وهذا ما حدث فعلا بعيد طردهم قعد تحول نفر منهم الى عمال موسمين و اشتغل نفر منهم ببعض الوظائف الحكومية وانتقل بعضهم الآخر للإقامة في مواضع أخرى الا أن بعضهم الأخر ظل في الجوار يقدر(ادلر كوهين) عدد الذين مكثوا في الجوار بنحو 300 نسمة لكن, إحصاء 1944\ 1954 يوحي بان هذا التقرير اقل من العدد الواقعي. أما السكان الآخرون فانتقلوا للعيش في أماكن أخرى. وقد تمكن الذين كانوا من تشييد ثلاثة وعشرين منزلا حتى سنة 1935 في 1944 \ 1945 كان عدد السكان 1330 نسمة (850 في القسم الشمالي و480 في القسم الجنوبي)وكانوا يزرعون الحبوب في 950 دونما وبحلول سنة 1937, كان السكان الصهيونيين يزرعون نحو 22000 دونم في المنطقة المحيطة بوادي الحوارث.
إحتلال القرية وتطهيرها عرقيا
بعد أن واجهت وادي الحوارث عملية حرب نفسية كانت الغاية منها حمل السكان على الرحيل, تعرضت لهجوم قامت الهاغاناه به واستنادا الى المؤرخ الإسرائيلي بني موريس فقد تضافرت آثار الحرب النفسية والعسكرية على دفع السكان الى الرحيل في 15 أيار آذار \ مارس 1948. وقد شنت عملية الهاغاناه بالتنسيق مع عمليات مماثلة شنت في أواخر سنة 1947, وأوائل سنة 1948 بهدف تطهير السهل الساحلي شمالي تل أبيب من سكانه العرب. وفي هذا ما يلقي ظلال الشك على الزعم الوارد في كتابه ( تاريخ الهاغاناه) من أن إخلاء منطقة وادي الحوارث كان من (تنظيم القيادة العربية), وانه كان من أوائل عمليات الإخلاء المدنية في أثناء الحرب.
وقد كيلت الضربة القاضية على القرية في أواخر نيسان \ ابريل و أوائل أيار\ مايو إذا عملت الهاغاناه يؤازرها سكان المستعمرات القائمة في الجوار على تدمير منازل هذه القرية وجارتها بحيث باتت العودة إليها (مستحيلة تماما) و بحسب ما ذكر موريس.
القرية اليوم
بقي عائلة واحدة (هي عائلة أبو عيسى الحاجبي ) في وادي الحوارث(الشمالي) بعد سنة 1948 , ولأعضائها عشرة منازل هناك اليوم. وعلى التخوم الجنوبية لهذه المنازل تقع مستعمرة غيئولي تيمان. وفي موقع وادي الحوارث (الجنوبي) سلم أربعة من منازل القرية تقيم في إحداها أسرة إسرائيلية.
المغتصبات الصهيونية على اراضي القرية
أنشا الصهيونيين مستعمرة كفار هروئي (142199) على أراضي القرية في سنة 1934. أما كفار فيتكن ( 138198 ) فقد بنيت قبل عام من ذلك في سنة 1933 لكن جنوبي الأراضي التابعة لوادي الحوارث وقد بنيت غيئولي تيمان (141199) على ما كان يعد من الأراضي القرية في سنة 1947. ويقع كيبوتس معبروت (141196) الذي نشئ في سنة 1933 في منطقة قريبة جنوبي غربي القسم الجنوبي من وادي الحوارث كما تقع مستعمرة مخمورت (138201) في منطقة قريبة غربي القسم الشمالي من وادي الحوارث لكن الاثنتين ليستا على أراضي القرية.