أبو شوشة

كانت القرية تقع على السفح الجنوبي لتل جازر، حيث يلتقي السهل الساحلي أسافل تلال القدس. وكانت طريق فرعية تصلها بطريق يافا- القدس العام، الذي كان يمر إلى الشمال الشرقي منها. وتل جازر هو ما بقي من مدينة جازر المذكورة في العهد القديم من الكتاب المقدس، والتي شهدت عمليات تنقيب كبرى في أوائل هذا القرن [Macalister 1912]. ومن الجائز أن تكون مدينة جازر أُهِلَت منذ الألف الرابع قبل الميلاد. وكشفت التنقيبات التي جرت في أبو شوشة من مصنوعات يعود تاريخها إلى الألف الثالث قبل الميلاد (أوائل العصر البرونزي) وقد حوّل الكنعانيون الموضع إلى مدينة وأحاطوها بسور. كما ذُكرت في عداد المدن التي استولى عليها تحوتمس الثالث في سنة 1469 قبل الميلاد تقريباً. ومن المعتقد أن سليمان جعلها معقلاً مهماً. كذلك فإنها ازدهرت في ظل الفرس واليونان؛ وكُشف فيها عن منزل روماني ومصابيح من أوائل أيام المسيحية. وكان الموقع أيام الرومان يسمى غازارا (Gazara)، ويتبع مدينة نيكوبوليس (Nicopolis) التي كانت قائمة في موقع عمواس الفلسطينية الحديثة (التي ظلت آهلة حتى حزيران/يونيو 1967، إذ دمرتها الحكومة الإسرائيلية مع قريتين أُخريين، بيت نوبا ويالو، بُعيد الاستيلاء على الضفة الغربية). ولا يكاد يُعرف شيء عن أبو شوشة في أوائل العصور الإسلامية. في سنة 1177م شهد الموقع، الذي أطلق الصليبيون وعساكر صلاح الدين الأيوبي، كانت الغلبة فيها للأوائل. وتدل المصنوعات (الخزفيات والنقود) التي يعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر للميلاد، والتي وُجدت في الموقع، على أن الموقع ربما كان آهلاً في تلك الأيام. وثمة دلائل أُخرى على العمران في القرون اللاحقة؛ منها مقام على التل يبدو أنه أُنشئ في القرن السادس عشر. في أوائل القرن التاسع عشر، كانت أبو شوشة قرية مبنية بالحجارة والطين، وتحيط بها سياجات الصبّار، وتتألف من 100 عائلة. وفي وقت لاحق من القرن التاسع عشر، وصف الرحالة إليهو غرانت أبو شوشة، بعد أن شاهدها، بأنها قرية صغيرة جداً [Grant 1907: 17].
في العصر الحديث كان سكان أبو شوشة كلهم من المسلمين، وكانت منازلهم مبنية بالحجارة والطين، ومتقاربة بعضها من بعض. وكان في القرية مسجد وبضعة دكاكين ومدرسة ابتدائية، أُسست في سنة 1947، وكان عدد أو من سجل فيه 33 تلميذاً. في 1944/1945 كان ما مجموعه 2475 دونماً مخصصاً للحبوب، و54 دونماً مروياً أو مستخدماً للبساتين.

إحتلال القرية وتطهيرها عرقيا 

هوجمت أبو شوشة أو مرة في الأشهر الأولى من الحرب، خلال ما وصفته الهاغاناه ((نموذجاً لعلمية انتقامية مدروسة)). واستناداًِ إلى الرواية التي أوردها ((تاريخ الهاغاناه))، فقد تمت عملية اضرب واهرب هذه بعد أن قُتل حارس من مستعمرة مجاورة كان يجتاز حقول أبو شوشة. وبعد منتصف ليل الأول من نيسان/أبريل 1948، قامت فصيلتان من الكتيبة الثانية في لواء غفعاتي، تصاحبهما قوات أخرى، بالتسلل إلى القرية وفجر اللغامون منزلاً وبئراً. وفي هذه الأثناء وصلت إلى أبو شوشة، من قرية القباب المتاخمة، تعزيزات من المجاهدين لمؤازرة المدافعين عنها، فاشتبكت مع وحدة هاغاناه كانت توفر الغطاء للمهاجمين. وقد جُرح أحد المهاجمين اليهود جرحاً قاتلاً. غير أن ((تاريخ الهاغاناه)) لا يأتي إلى ذكر الإصابات العربية بين سكان القرية أو المجاهدين المحليين.
احتل لواء غفعاتي القرية في سياق عملية براك بتاريخ 14 أيار/مايو 1948؛ وهذا استناداً إلى المؤرخ الإسرائيلي بِني موريس (كتاب “تاريخ الهاغاناه” يجعل الاحتلال بعد يوم). ويذكر موريس أن الوحدات المهاجمة قصفت أبو شوشة بمدافع الهاون في الليلة التي سبقت سقوطها، أي في 13 أيار/مايو؛ وقد فر السكان ونُسف بعض منازل القرية بالديناميت. وكانت عملية نسف القرية منسّقة أيضاً مع الهجوم المتقدم نحو الشرق، والذي كان يهدف إلى احتلال قرية اللطرون الاستراتيجية. ومع احتلال أبو شوشة رسّخت الوحدات المشاركة في عملية مكابي أقدامها في المنطقة.

القرية اليوم

تحتل مستعمرة أميليم الإسرائيلية معظم مساحة الموقع. وينبت شجر التين والسرو ونبات الصبار وشجرة نخيل وحيدة في الموقع. وغُرس في الأودية المحيطة شجر المشمش والتين، وتنبت أنواع من الأشجار المثمرة على المرتفعات.

المغتصبات الصهيونية على اراضي القرية

في سنة 1948، أُنشئت مستعمرة أميليم في موقع القرية المدمّرة. وأُنشئت مستعمرة بدايا، في سنة 1951، على أراضي أبو شوشة بالقرب من حدودها المتاخمة لأراضي قرية النعاني التي دمرت أيضاً. كما أن مستعمرة غيزر أُنشئت في 13 آذار/مارس 1945 إلى الشمال من أبو شوشة بالقرب من الموقع، لكن على أراض كانت تابعة لقرية القباب. ومن المستعمرات الأُخرى القريبة، غير القائمة على أراضي القرية، مستعمرة بتاحيا ومستعمرة بيت عوزّيئيل، اللتان أُسستا في سنة 1951 وسنة 1956 على التوالي. وتقع المستعمرتان شمالي غربي القرية.

المصدر:
كتاب كي لا ننسى، وليد الخالدي
www.palestineremembered.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *