عراق المنشية

كانت القرية قائمة في منطقة تلال متدرجة حيث يلتقي السهل الساحلي سفوح جبال الخليل, وكان يحدها غربا وادي فتالا. وكانت تقع جنوبي الطريق العام بين الفالوجة إلى الشمال الغربي, وبيت جبرين (وهي قرية ذات شأن في قضاء الخليل) إلى الشرق. وكان اسمها أي (عراق) (جمع عرق, ومعناه الجبل الصغير), يشير إلى موقعها أما الجزء الثاني, أي (المنشية) فقد أضاف السكان إلى الاسم لتمييز قريتهم من قرية مجاورة رحلوا عنها, وتدعي أيضا عراق. في سنة 1596, كانت عراق المنشية قرية في ناحية عزة(لواء غزة), وفيها 61 نسمة. وكانت تدفع الضرائب على عدد من الغلال كالقمح والشعير, بالإضافة إلى عناصر أخرى من الإنتاج كالماعز وخلايا النحل.
في أواخر القرن التاسع عشر كانت قرية عراق المنشية مبنية بالطوب وتحيط بها الأراضي الزراعية. وكان للقرية شكل دائري إذا كان الشوارع الصغيرة تتفرع من ملتقى طريقين رئيسيين متعامدين. وكان هذا الملتقى بمثابة مركز القرية. وكان سكان القرية يتزودون مياه الاستعمال المنزلي من ثلاث آبار. وعندما توسعت القرية, امتدت نحو الطريق العام, وفي اتجاه الشمال الشرقي صوب تل الشيخ أحمد العريني وهذا التلال الكبير الذي يبلغ ارتفاعه 32 مترا, كان ينهض شمالي القرية وعلى قمته مقام الشيخ أحمد العريني.
كان سكان القرية العرب من المسلمين. وكان فيها مسجد قديم وآخر حديث كان يعتبر من أجمل مساجد القرى, وكان فيه غرف عدة ورواق وفناء. وكان في القرية أيضا مدرسة ابتدائية أسست في سنة 1943, وكانت تضم 201 من التلامذة في الأربعينات.
كان السكان يعملون على الأغلب في الزراعة فيزرعون الحبوب والعنب والكثير من أصناف الأشجار المثمرة (مثل الزيتون واللوز). وكانت الزراعة بعلية في معظمها ولاسيما على طول خط تماس السهل بالسفوح القريبة. في 1944\1945, كان ما مجموعه 13449 دونما مخصصا للحبوب, و53 دونما مرويا أو مستخدما للبساتين. وكان الماعز والضأن يوفران لسكانها المواد اللازمة (الصوف والغزل) لحياكة البسط. وكان سكان القرية يصبغون بسطهم في الفالوجة التي كانوا يقصدونها أيضا للحصول على العلاج الطبي وسواه من الخدمات.
أما التل القريب من عراق المنشية فقد كان يظن خطا, ولعدة أعوام أنه مدينة جت(الفلسطينية) المذكورة في التوارة إلا أنه بعد إجراء التنقيبات الأثرية في الموقع(1956-1961), لم يعثر على أي أثر فلسطيني فيه. وقد أكدت هذه الحفريات (وما عقبها من أعمال في سنة 1948) أنه كان هناك موقع آهل يعود إلى الألف الرابع قبل الميلاد, وظل آهلا حتى القرن الثاني قبل الميلاد. ويضم التل بقايا هذا الموقع الآهل وكما في الكثير من المواقع الأثرية في فلسطين فقد تواصل تاريخ هذا الموقع لاحقا عبر موقع جديد يقع على سفح ذلك التل, أي موقع عراق المنشية.

إحتلال القرية وتطهيرها عرقيا 

استنادا إلى ما ذكره المؤرخ الإسرائيلي بني موريس فإن لواء غفعاتي حاول احتلال القرية في أواخر تموز\ يوليو 1948, خلال الهدنة الثانية في الحرب, غير أنه أخفق وجاء في تقرير لصحيفة(نيورك تايمز) في 28 تموز\ يوليو, أن القوات الإسرائيلية كانت تهاجم المواقع التي تتركز فيها الاتصالات والعربات المصرية في عراق المنشية. وبعد ذلك بيومين, أورد تقرير للصحيفة ذاتها حدوث (اشتباكات عنيفة نوعا ما بين حتا وعراق المنشية) ويقول المؤرخ الفلسطيني عارف العارف إن القرية كانت هدفا (لهجمات متواصلة) خلال الهدنة الثانية, ولاسيما في 22 آب \أغسطس.
جرت محاولة كبيرة لاحتلال القرية عند انتهاء الهدنة الثانية في بداية عملية يوآف ( أنظر بربرة, قضاء عزة), وذلك في 16 تشرين الأول\ أكتوبر. وهذه المرة دحر الجيش الإسرائيلي وبصورة حاسمة على يد القوات المصرية وقد حدث ذلك بعد أن نجحت وحدة مدرعة إسرائيلية في اقتحام القرية. وجاء على لسان ناطق إسرائيلي استشهدت صحفية (نيورك تايمز) به, أنه لدى دخول هذه القوات المدرعة عراق المنشية, (أطلق الجيش الإسرائيلي النار على القرية فقتل عددا من المصريين, ودمر مستودعات الذخيرة والمدافع…) ووصف الناطق هذا الهجوم بأنه (غارة تأديبية), كما اعترف بخسارة ثلاثة دبابات.
شن الهجوم الأخير في 27- 28 كانون الأول\ديسمبر من جانب وحدات تابعة للواء ألسكندروني نجحت في دخول القرية, غير أنها طردت منها مجددا لدى وصول إمدادات مصرية. وعند نهاية الحرب, كانت القرية تقع في (جيب الفالوجة), وهو جيب حوصر فيه 3000 مدني فلسطيني ولواء مصري(خدم فيه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر, الذي كان آنئذ ضابطا في الجيش المصري). ويقول موريس إنه بعد أيام م توقيع اتفاقية الهدنة بين مصر وإسرائيل في 24 شباط \ فبراير 1949, خرقت إسرائيل شروط الاتفاقية مستخدمة الرعب والإرهاب لحمل 2000-3000 من سكان عراق المنشية والفالوجة على الفرار. وقد ذكر وسيط الأمم المتحدة أن الجنود الإسرائيليون ضربوا المدنيين في ذاك اغتصاب عدة. ويقول موريس إن قرار ترويع السكان لحملهم على الفرار من قراهم اتخذه قائد القطاع الجنوبي الإسرائيلي يغآل ألون,وبموافقة رئيس الحكومة دافيد بن ؟ غوريون في أغلب الظن.

القرية اليوم

غرست غابة الكينا في الموقع وثمة إشارتان بالعبرية والإنكليزية تعرف هذه الغابة بأنها (غابة مرعولين للسلام) ولم يبق من القرية سوى آثار شوارعها مع بعض نبات الصبار المبعثر. ويستغل المزارعون الإسرائيليون قسما من الأراضي المجاورة.

المغتصبات الصهيونية على اراضي القرية

أقيم كيبوتس يدعى غان في سنة 1941 على أراض كانت تابعة تقليديا للقرية, كما استولى هذا الكيبوتس في سنة 1949 على مزيد من الأراضي بعد طرد السكان. وبعد ذلك التاريخ بخمس سنوات, أي في سنة 1954 أنشئت بلدة كريات غات على أراضي القرية, وأقيمت أيضا مستعمرة سدي موشيه في سنة 1956 على أراضي القرية إلى الشرق من موقعها

المصدر:
كتاب كي لا ننسى، وليد الخالدي
www.palestineremembered.com

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *