مدينة صفد

صفد مدينة عربية، وقاعدة قضاء يحمل اسمها. وعاصمة الجليل* الأعلى، وأهم موقع فيه، وهي تحت ظل الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948 وحتى الآن.

أ- الإطار الطبيعي لصفد:

1) الموقع الجغرافي: احتل موقع صفد، مكانة هامة عبر العصور التاريخية، ولم يزل. وكان لقلعتها الحصينة شأن عظيم أثناء خروب الفرنجة، بسبب إشرافها على الجزء الشمالي من إقليم الجليل، وعلى الطريق بين دمشق وعكا*، وقد حرصت الغزوات الحربية على احتلال صفد، تمهيداً للسيطرة على الجليل.

ولم يقل موقعها التجاري أهمية عن موقعها الاستراتيجي، فقد كانت صفد محطة من محطات البريد* بين الشام ومصر في عهد المماليك*. يأتيها البريد عن طريق غزة* واللد* وجنين* وحطين، ومنها إلى دمشق عبر جسر بنات يعقوب* على نهر الأردن*. كما كان الحمام الزاجل يأتي إليها من مصر متبعاً الطريق نفسها. وكانت في العهدين الروماني والإسلامي محطة على طريق القوافل التجارية بين الشام ومصر.

اختارت السلطات الحاكمة مدينة صفد مركزاً إدارياً لإقليم الجليل الأعلى، لموقعها الجغرافي الهام المتوسط. ففي عهد الانتداب البريطاني كانت صفد مقراً لإدارة الأقليم، ونقطة تجمع لطرق المواصلات التي تربطها بإقليم الجليل والأقاليم المجاورة في فلسطين وسورية ولبنان (رَ: الإدارة) وبالإضافة إلى الطرق* الرئيسة تنتشر طرق ثانوية تربط صفد بالقرى العربية المجاورة لها. وهي تبعد عن الحدود الشمالية لفلسطين مسافة 29 كم، وعن الخالصة*40 كم، وعن ترشيحا* 36 كم، وعن المحطة 48 كم، وعن حيفا* 74 كم، وعن اللد 165 كم، وعن يافا* 175 كم، وعن القدس* 206كم، وعن بئر السبع* 264كم.

2) أرض صفد: تقوم صفد فوق رقعة جبلية يتراوح ارتفاعها بين 790 و 840 م فوق سطح البحر. وتحيط بها من الشمال الغربي منطقة جبل صفد التي يتراوح بين 600 و820م. كما يمتد في شمال المدينة وشمالها الشرقي جبل كنعان، الذي يزيد ارتفاعه على 950م. وإلى الجنوب الشرقي من صفد تمتد منطقة الظاهرية الفوقا الجبلية. التي تهطل بحافة شديدة الانحدار على وادي الأردن المتوسط، في حين تقف جبال زيود والجرمق شامخة غرب صفد. لتمثل قممها أعلى قمم الجبال في فلسطين (1.100 – 1.200 م).

أقيمت صفد على عدة تلال تفصل بينها أودية تتجه نحو الجنوب. والتلة الشمالية الغربية. التي تعد امتداداً جنوباً لسفح جبل كنعان، هي أقدم بقعة معمورة في صفد. ولا شك أن عامل الحماية هو الدافع الرئيس لنشأة صفد القديمة. وقد امتدت المدينة بعدئذ نحو الجنوب، فأحاطت بقلعتها التي بناها العرب. وقد شيد حول صفد سور حصين وخندق عريض لحمايتها من أخطار المعتدين. غير أن المدينة امتدت بعمرانها خارج السور نتيجة زيادة عدد سكانها وتوسعها، حتى إن المباني شغلت الأودية، مثلما شغلت التلال والمنحدرات.

يحيط بمدينة صفد من الشمال أحد روافد وادي الليمون الذي يرفد وادي عمود*، الذي ينتهي في بحيرة طبرية*، وتبدأ بعض الأودية الرافدة لوادي عمود. من الجبال الممتدة في الطرف الجنوبي لصفد. وقد حذرت هذه الأودية لنفسها خوانق في المرتفعات الجبلية التي تتألف في الأصل من الصخور الكلسية. وتتعرض منطقة صفد للهزات الأرضية والزلازل* نتيجة عدم استقرار القشرة الأرضية ذات التكوينات الجيولوجية الحديثة، ووجود صدوع (انكسارات) معتمدة كان بعضها موضعاً لمسارات مجاري الأودية. ومن أشهر الزلازل التي تعرضت لها صفد زلزال سنة 1837، الذي راح صحبته كثير من سكان المدينة.

3) المناخ* والمياه: مناخ صفد ينتمي إلى مناخ البحر المتوسط. ويؤثر عامل الارتفاع في مناخ المدينة، إذ انعكست الطبيعة الجبلية للمدينة على مناخها، فجعلت منه مناخاً لطيفاً في الصيف، بارداً في الشتاء. وبذلك تعد صفد من مصايف فلسطين الجميلة، حيث تكسو الغابات مساحات من جبالها. فتكسب المنطقة جمالاً يشبه جمال منطقة رام الله*. ويتراوح متوسط درجة الحرارة في شهر آب ما بين نهاية دنيا تبلغ 18 وبين نهاية عظمى تبلغ 29، في حين يتراوح متوسط درجة الحرارة في شهر كانون الثاني ما بين نهاية دنيا تبلغ 4 وبين نهاية عظمى تبلغ 10.

وتهطل الأمطار بكميات كبيرة على مدينة صفد، فمتوسط كمية الأمطار السنوية نحو 728مم، وهي كمية كبيرة إذا قورنت بالكميات التي تتلقاها مدن فلسطين الأخرى. وتسقط الثلوج على صفد كل عام تقريباً. وهي كالأمطار، تساهم في تغذية خزانات المياه الجوفية بعد ذوبانها.

تتوافر المياه في منطقة صفد. وبخاصة مياه الينابيع التي تستخدم لأغراض الشرب والري. وتكثر الينابيع في المنخفضات وبطون الأودية وعلى طول أقدام الجبال والصدوع (الانكسارات). ومن العيون المشهورة، عين العافية وعين الحاصل وعين الزرقاء وعين الجن وعين التبنة (رَ: عيون الماء).ويتأتي الماء إلى صفد من منبعين ينبثقان شرق صفد، ويسميان عين الرمانة وعين اللبوية. أما الآبار* فيتراوح عددها بين 20 و30 بئراً، ويكلف حفرها كثيراً بسبب عمق خزانات مياهها الجوفية. وتعتمد الزراعة* على مياه الأمطار الكافية لنمو جميع أنواع المحاصيل.

ب- النشأة والنمو: تأسست مدينة صفد. على غرار كثير من مدن فلسطين الأخرى في العهود التاريخية المبكرة، على يد الكنعانيين. اسمها القديم “صفت” أي العطاء أو الوثاق. وكانت عند تأسيسها قرية صغيرة ضئيلة الشأن، وظلت كذلك حقباً طويلة من الزمن. احتلها الرومان وكانت فيها قلعة حصينة في عهودهم. ولم يكن لها شأن عظيم في صدر الإسلام، ولم يرد لها ذكر في الفتوحات العربية الأولى، ويعود أقدم ذكر لها إلى القرن العاشر الميلادي.

برزت مدينة صفد بشكل واضح بين أحداث الحروب الصليبية، إذ احتلها الصليبيون في سنة 536 هـ/1140م وبنوا فيها حصناً للدفاع عن الساحل الذي غزوه أمام هجمات أمراء دمشق والأيوبيين (رَ: الفرنجة). وفي سنة 553هـ/ 1157م التجأ بخدوين الثالث ملك الصليبيين إلى هذا الحصن اثر اندحار جيشه أمام جنود الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي* عند موقع الملاحة* فلما انتصر صلاح الدين الأيوبي* في معركة حطين* سنة 583هـ/1187م حاصر مدينة صفد، وتولى هو زمام القتال، وأفلح في الاستيلاء على المدينة والحصن في سنة 586هـ/ 1189م. وفي سنة 618هـ/1220م دمر المسلمون الحصن خشية استيلاء الصليبيين عليه مرة أخرى. وفي سنة 639هـ/1240م عادت صفد إلى حكم الصليبيين، وبنوا فيها الحصن مرة أخرى وظلت بأيديهم إلى أن حمل السلطان الظاهر بيبرس على الحصن، واستولى عليه، واسترده من الصليبيين في سنة 667هـ/ 1267م. وبنى الملك بيبرس* مسجداً في الحصن، وجدد مباني مدينة صفد وغمرها بعد أن تحررت من سيطرة الغزاة. وظلت صفد في عهد المماليك مركزاً له شأنه، وأصبحت قصة إحدى النيابات السورية التي ضمت مدن الجليل جميعها ومدينة عكا أيضاً. وفقدت مدينة صفد بعد هذا التاريخ أهميتها بالتدرج إلى أن استسلمت مع مدن فلسطين الأخرى للعثمانيين زمن السلطان سليم بدون حرب في سنة 923هـ/ 1517م، وأصبحت قصبة سنجق، تتبعه مدن الجليل ومدينة عكا وصور (رَ: الإدارة). وفي القرن السابع عشر احتل الأمير فخر الدين بن قرقماز* المعني الثاني مكانة هامة في الجليل. واتخذ صفد حصنا لحماية أملاكه فيها. ولكن الأتراك قضوا عليه فتأسست بعد ذلك إمارة للشهابيين، وعين الشهابيون عمر بن زيدان شيخاً على صفد لمساعدتهم. واتسع نفوذ الشيخ عمر على مر الأيام وفي سنة 1164هـ/1750م استقل ابنه الشيخ ظاهر العمر* عن الشهابيين، واتخذ من مدينة عكا مقراً له. وفي عهد الشيخ ظاهر نشطت الزراعة والتجارة* والعمارة. وشعر الناس بالأمان. وفي سنة 1173هـ/ 1759م أصبحت مدينة صفد زلزال كاد يأتي على سكانها ومبانيها. وفي سنة 1182هـ/1768 م أصبح الشيخ ظاهر العمر أميراً على الجليل. وحكم صفد وعكا والناصرة، وحاول أن يستقل عن الدولة العثمانية. ولكنه اغتيل. وحكم صفد بعده الوالي التركي أحمد باشا الجزار*. وقبل أن يحاصر نابليون عكا اضطر إلى احتلال صفد أولاً في سنة 1214هـ/ 1799م. ولكنه لقي من الوالي أحمد باشا الجزار بمساعدة الأسطول الانكليزي مقاومة عنيفة. فأخفق في تحقيق أهدافه من حملته العسكرية، وانسحبت قواته من الشام وفلسطين (رَ: الحملة الفرنسية).

كانت صفد في أوائل القرن السابع عشر مدينة زاهرة، وقد شاهدها الرحالة السويسري بركهارت أثناء مروره بها في سنة 1227هـ/1812، ووجدها بلدة منبعة تقع حول تل في أعلاه قلعة، ويحيط بها سور وخندق، وتكتفها مزارع الزيتون والكروم، ويشتغل أهلها بصنع النيلة ونسج الأقمشة القطنية، وكانت تقام فيها سوق للقرويين المجاورين في كل يوم جمعة. وفي سنة 1235هـ/ 1819م أصابها زلزال آخر الحق بها أضراراً بالغة. وفي سنة 1248هـ/ 1833م احتلها إبراهيم باشا نجل والي مصر. وفي سنة 1253هـ/ 1837م أصابها زلزال ثالث تحولت المدينة بعده إلى قرية صغيرة بسبب التدمير الشامل الذي تعرضت له. وفي سنة 1257هـ/1841م عادت إلى الحكم العثماني، وفي سنة 1304هـ/1886م أصبحت صفد مركزاً لقضاء في سنجق عكا. وشهدت في هذا الوقت بعض التقدم العمراني. وفي سنة 1918م احتلها الإنكليز أثناء الحرب العالمية الأولى.

ضم قضاء صفد في عهد الانتداب البريطاني أكثر من ستين قرية عربية أهمها آبل القمح* وبيريا* والبويزية*والخالصة والجاعونة* والزوق التحتاني* والريحانية* وسعسع* والشونة* والصالحية* والصفصاف* والعزيزات* وعكبرة وعلما* وعين الزيتون* وقدس* وقديتا* والملاحة* والمنصورة* والناعمة* وهونين* وطوبى الشمالية وكفر برعم* وجاحولة* والبدوارة* وطبطيا* وخيام الوليد* والزنغرية* وغيرها. وكانت هذه عشائر عربية تقيم في هذه القرى أو في جوارها، أهمها عرب الغوارنة الذين استوطنوا الخالصة والقرى المجاورة لها، وعرب الهيب وعرب الشمالية وعرب كعوش وعرب المحمدات وعرب السيادة.

كان مجموع سكان صفد عام 1908 نحو 10.000 نسمة. وضمت خلال الحرب العالمية الأولى 4.000 بيت و12.000 نسمة. وقد اشتملت المدينة على أحياء متعددة، ثلاثة منها ممتدة على سفح جبل كنعان. ومن أحيائها الاكراد والديانة والجورة والقلعة والبرج والصواوين وجامع الأحمر والوطاة والسوق. وأحسن الأحياء عمراناً حي القلعة الذي اشتمل على نحو 100 منزل حديث. وباستثناء ما يقرب من 400 بيت آجرية السقوف، حديثة الطراز، فإن بقية بيوت صفد مبنية على الطراز القديم بالحجارة البيضاء، ومتلاصقة بعضها ببعض. وتتألف أكثر بيوت صفد من طابق واحد. وقد اكسبت الأبنية الجديدة مدينة صفد جمالاً عمرانياً ملحوظاً.

يشتمل وسط مدينة صفد على الأسواق التي ضمت 80 محلاً تجارياً. وفيه الجوامع، وأهمها جامع اليونسي والجامع الأحمر وجامع السويقة وجامع الجوقنداري وجامع سيدنا يعقوب وجامع خفاجة (رَ: الجوامع والمساجد). كذلك توجد في وسط المدينة دار الحكومة والمشفى وبعض المكاتب الحكومية. ويتخذ مخطط صفد شكلاً دائرياً، أو شبه دائري. بمعنى أن الشوارع تحيط بقلب المدينة في أشكال دائرية، فيمثل وسط المدينة البؤرة التي تصب عليها شوارع المدينة من الأطراف. ولا شك في أن الطبيعة الجبلية لأرض صفد فرضت على المخطط مثل هذا الشكل الدائري الشعاعي.

احتفظت صفد في عهد الانتداب البريطاني بشكلها العام. رغم تطور نموها السكاني والعمراني. ففي عام 1922 بلغ عدد سكان المدينة 8.761 نسمة. وهو أقل ما كان عليه قبل الحرب العالمية الأولى وخلالها. ويعزى هبوط عدد السكان إلى الظروف السيئة التي مرت بها المدينة خلال الحرب، إذ تعرض كثير من سكانها للأمراض والمجاعات. وهاجر بعضهم منها إلى الخارج ابتغاء الرزق الواسع. وبعد أن اسقر الوضع قليلاً في المدينة أخد حجمها يتزايد تدرجاً، فارتفع عدد سكانها في عام 1931 إلى 9.441 نسمة، كانوا يقيمون في 2.126 بيتاً. وفي عام 1945 وصل عدد السكان إلى11.930 نسمة، وقدر عددهم في أواخر الانتداب بنحو 13.386 نسمة.

توسع امتداد صفد العمراني، إذ بلغت مساحتها عام 1945 نحو 1.429 دونماً. وكانت بلدية صفد تشرف على شؤون المدينة وتنظيمها الهندسي. وقد تضاعفت نفقات البلدية من 2.196 ج.ف. عام 1927 إلى 5.102 ج .ف. عام 1944. وأعطت البلدية 98 رخصة بناء عام 1935، و113 رخصة بناء عام 1944. وقد ساهمت في تنفيذ المشروعات الحيوية، كمشروعات المياه والكهرباء والشوارع والمدارس وغيرها. وظهر أثر نشاطها في إقامة الأسواق والفنادق والمقاهي والنوادي والمتنزهات.

تركز السكان العرب في الجزئين الشرقي والجنوبي من المدينة، وتركز اليهود في الجزء الغربي منها. وقد جاهد العرب لتحرير مدينتهم من المستوطنين الصهيونين طوال فترة الانتداب، ووصل جهادهم إلى ذروته في حرب 1948*. لكن الصهيونيين تمكنوا من السيطرة على الموقف، واحتلال صفد بتاريخ 12/5/1948 (رَ: صفد، معركة). ونتج عن الحرب ترحيل معظم السكان العرب من صفد، فانخفض عدد سكانها إلى 2.317 نسمة في أواخر عام 1948. وما لبث أن ارتفع عدد السكان بقدوم المستوطنين الصهيونيين إليها بصورة مطردة، فوصل عددهم إلى 4.000 صهيوني في أواخر عام 1949، وإلى 5.500 في أواخر عام 1950، ثم قفز عددهم إلى 15.900 في عام 1983. وقد بنيت ضاحية سكن جديدة شرقي صفد فيما بلغ عام 2001 25.000 ألف نسمة.

ج- التركيب الوظيفي لصفد: ساهمت صفد، منذ نشأتها الأولى، في وظائف قليلة، كالوظائف العسكرية والتجارية والزراعية ثم تطورت المدينة بمرور الزمن، فكبر حجمها، توسعت مساحتها، وتنوعت وظائفها.

1) الوظيفة العسكرية: مارست صفد وظيفتها العسكرية منذ نشأتها، بحكم وضعها الطبوغرافي الذي يسهل مهمة الدفاع والحماية من أخطار المعتدين. وبحكم موقعها الجغرافي الذي يجعلها تطل على المناطق المجاورة.وتشرف على المنافذ الطبيعية. وتتحكم في الطرق المؤدية إلى تلك المناطق. فهي تشرف على سهل الحولة* في الشمال، وعلى بحيرة طبرية في الجنوب الشرقي، وتتحكم من الغرب في طريق عكا – الرامة – فراضية، وتسيطر على الطرق المؤدية إلى الحدود الشمالية لفلسطين. لهذا السبب حرصت (إسرائيل) على احتلالها في بداية حرب 1948، لتتمكن من السيطرة على الجليل بأكمله.

3) الوظيفة الإدارية: كانت المدينة مركزاً لقضاء صفد في العهدين العثماني والبريطاني. وقد ضم قضاء صفد منذ عام 1899 وحتى أواخر العهد العثماني 78 مزرعة وقرية. وفي العهد البريطاني ضم القضاء المذكور مدينة صفد و69 قرية. فضلاً عن عشائر عربية متعددة كانت تقيم بجوار بعض القرى. وفي أواخر العهد العثماني بلغت مساحة قضاء صفد 750 كم2، وأصبحت مساحته عام 1945 نحو 696كم2.

بلغ عدد سكان صفد عام 1904 م نحو 22.715 نسمة. وزاد عددهم عام 1908 فوصل إلى 26.113. وفي أواخر العهد العثماني ارتفع عددهم إلى 32.137. وفي عام 1922 انخفض عدد سكان قضاء صفد إلى 22.790 نسمة. ثم عاد فارتفع إلى 39.713 نسمة عام 1931. وفي عام 1945 قدر عددهم بنحو 53.620 نسمة. وكانت كثافة السكان تعدل 77 نسمة في الـ كم2.

أشرف على إدارة الحكومة في صفد أيام الانتداب قائمقام عربي تابع لحاكم اللواء في الناصرة*. وضمت المدينة محاكم ودوائر حكومة للزراعة والصحة والبريد والأراضي. أما المدارس فكانت تابعة لمفتش المعارف في حيفا. وكان يشرف على الأمن العام أفراد الشرطة* الفلسطينية برئاسة مفتش بريطاني. وقد استفاد سكان القضاء من الخدمات الإدارية التي قدمتها صفد لهم طوال فترة الانتداب البريطاني. لكن الوضع تغير بعد عام 1948، إذ أصبحت صفد مركزاً لقضاء في المقاطعة الشمالية، نبعته مجموعة من المستعمرات اليهودية التي أقيم معظمها على أراضي القرى العربية المدمرة.

3) الوظيفة الزراعية: تصلح الأراضي الجبلية المحيطة بصفد لزراعة القطاني والعنب والزيتون والتبغ. وتحيط بالمدينة بساتين الأشجار المثمرة كالعنب والزيتون على منحدرات الجبال. أما الحبوب والخضر وبعض أنواع الفواكه فإنها تنتشر في المنخفضات وبطون الأودية. وتجود زراعة الليمون الحلو في وادي الليمون الواقع في المنحدرات الغربية للمدينة، ويعرف أيضاً بوادي الطواحين.

ويمتد في الجنوب الشرقي من صفد وادي الحمراء الذي يمتلىء بالبساتين، ويزود المدينة بنصف حاجاتها من الفواكه والخضر. ولا سيما التوت والخوح والرمان والبندورة. وكانت صفد تستمد بقية المنتجات الزراعية التي تحتاج إليها من القرى العربية المجاورة لها. وأهم المحصولات الزراعية التي ينتجها قضاء صفد الزيتون والعنب والتين والبطيخ والمشمش والبرقوق والخوخ والكشمري والبرتقال والقمح* والشعير والذرة وأنواع الخضر المختلفة.

4) الوظيفة التجارية: كانت صفد محطة لمرور القوافي التجارية في القديم، وهي مركز تسويقي لمنتجات إقليمها الزراعية والحيوانية، ومركز تجاري يجد فيه القرويون ما يطلبون من المواد التموينية والأقمشة والملبوسات والأدوات الكهربائية والمنزلية … إلخ. وكانت أسواق صفد تغص بالمنتجات الزراعية والحيوانية والغابية. كالبندورة والعنب والتين والليمون والقمح وأنواع البقول المختلفة، ومنتجات الألبان والفحم والحطب وغيرها. وبالإضافة إلى هذه الأسواق كانت تقام سوق رئيسة كل يوم جمعة. يؤمها عدد كثير من سكان الإقليم لتبادل المنتجات المختلفة.

ومما شجع الحركة التجارية في صفد كونها مركزاً سياحياً ومصيفاً مشهوراً من مصايف فلسطين، فهي تشبه بالمقومات السياحية، كالمناظر الطبيعية الجميلة كالأشجار الباسقة وعيون الماء*. والأماكن الأثرية والتاريخية. لذا تكثر فيها الفنادق والمحلات التجارية التي تروج الحركة التجارية. وتنشط وسائل المواصلات المختلفة (رَ: السياحة).

كان معظم السكان العرب في صفد يشتغلون بالتجارة ويحترفون البيع. قبل احتلال (إسرائيل) للمدينة عام 1948.

5) الوظيفة الصناعية: عرفت صفد بعض الصناعات منذ القديم، إذ نشأت فيها صناعة اللباد معتمدة على الأصواف التي توفرها أغنام المنطقة، وخلال القرن التاسع عشر، كانت الصباغة بالنيلة ونسج الأقمشة القطنية، مهن الأهالي الرئيسة في صفد. وفي عهد الانتداب البريطاني أضيفت إلى الصناعات السابقة صناعات جديدة كالصناعات الغذائية (رَ: المواد الغذائية، صناعة) والخشبية والجلدية وصناعة الخضر والكراسي من نباتات سهل الحولة المائية، وغيرها من الصناعات الخفيفة التقليدية.

تطورت الصناعة* في صفد بعد عام 1948 عندما حولها المحتلون الصهيونيون مدينة صناعية لتثبيت أقدام أبناء الجيل الجديد منهم فيها. وبالرغم من ذلك فإن الجيل الجديد من أبناء اليهود الذين ولدوا في صفد (الصابرا). عزفوا عن سكنى المدينة، وأخذوا ينزحون عنها. ومن أهم صناعات صفد الصناعات الغذائية، كالحلويات والشكولاته والماصة (الخبز اليهودي غير المحمر) والقهوة وغيرها. وتوجد فيها صناعات الدخان وآلات الخياطة والمواقد والدراجات وتقطيع الماس (رَ: الألماس، صناعة) والمنسوجات والألبسة والطباعة ومواد البناء. وتأتي السياحة في رأس صناعات المدينة، ولا سيما في جبل كنعان، المصيف المزدهر.

6) الوظيفة التعليمية: تـأسست المدرسة الرشدية في صفد عام 1880م. وضمت في أواخر القرن التاسع عشر 30 تلميذاً. وكان للإنكليز مدرسة إعدادية ضمت في الوقت نفسه 50 تلميذا. وفي الحرب العالمية الأولى بلغ عدد المدارس في مركز القضاء وفي جميع ملحقاته عشر مدارس رسمية و26 مدرسة غير رسمية، منها في صفد ثلاث مدارس للذكور ومدرسة واحدة للإناث. وضمت هذه المدارس 280 تلميذاً و150 تلميذة.

تطور التعليم في صفد خلال فترة الانتداب البريطاني، ففي العام الدراسي 1942/ 1943 اشتملت صفد على ثلاث مدارس للبنين (مدرستين ابتدائيتين ومدرسة ثانوية) ومدرسة للإناث. وضمت جميع هذه المدارس 805 تلاميذ، يعلمهم 24 معلماً، و319 تلميذة تعلمهن 11 معلمة. وفي العام الدراسي 1946/1947 كان في صفد ثلاث مدارس للبنين ومدرستان للإناث، وبلغ مجموع تلاميذ هذه المدارس الخمس في تشرين الأول 1947 قرابة الألفين. واشتهرت صفد بكليتها الاسكتلندية التي كان لها فضل تعليم اللغة الإنكليزية والرياضيات، ولكنها انتقلت بعد الحرب العالمية الثانية إلى مدينة حيفا (رَ: التربية والتعليم).

أثر تقدم التعليم في ارتفاع المستويات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية لسكان صفد. وقد ساهم المتعلمون من أبناء المدينة مساهمة إيجابية في تربية أبناء المدن والقرى الفلسطينية الأخرى وتعليمهم. كما ساهموا في نشر الثقافة والوعي بين أبناء صفد، مما كان له أثر إيجابي في كفاحهم الاستعمارين البريطاني والصهيوني في فلسطين.

المراجع:
– محسن الأمين: خطط جبل عامل، بيروت 1961.

– عبد الحي بن العماد الحنبلي: شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ج3، القاهرة 1931.

– القلقشندي: صبح الأعشى، ج4، القاهرة 1914.

– فيليب حتي: لبنان في التاريخ (مترجم)، بيروت 1959.

– مصطفى مراد الدباغ: بلادنا فلسطين، ج6، ق2، بيروت 1974.

– ابن شداد: الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة، دمشق 1953.

– محمود العابدي: صفد في التاريخ، عمان 1977.

– Smith, G.A.: The Historical Geography of the Holy Land. London 1996.

– The World Gazettzer, Current Population for Cities and Tours of Israel (Internet).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *